إن لم يكن الآن.. فمتى؟

0

أقيم الكيان الإسرائيليّ بقوةِ الحديد والنّار كمشروعٍ استعماريّ على أرض فلسطين، ولطالما كانت نخبه المؤسّسة واعيةً لافتقاده شرعيةَ الانتماءِ إلى منطقتنا، ونسيجِها الحضاريّ. ولهذا، فإن العدو الإسرائيليّ سعى منذ عقودٍ إلى التعويض عن هذا النقص، محاولًا التسللَ إلى مجتمعاتنا العربيّة عن طريق الفن، والرياضة، والأزياء، وسواها، وبالأخص بعد فشلِه في تطبيع العلاقات مع الشّعوب، وإن حققَ نجاحًا جزئيًّا بالتطبيع مع بعض الأنظمةِ العربيّةِ. وكذلك ليس سرًا تحقيقه بعض الاختراقات عبر توريطِ بعض الفنانين العرب وبعض الشّخصيّات العامة في مواقفَ تطبيعيّةٍ تواترت في السّنوات الأخيرة. وفي كلِّ مرة، يسارعُ الإعلامُ الإسرائيليّ إلى استغلالِ هذه “الأخطاء” وإظهارها كانتصاراتٍ له. ولكن أما آن الأوان أن يكونَ الفنانونَ العرب والشّخصيّات المؤثرة أكثرَ حذرًا ونُضجًا في تعاملاتهم؟ أليس واجبًا عليهم أن يتحرّوا بأنفسهم أو عبر مديري أعمالِهم عن كلِّ التّفاصيلِ التي تحصِّنُهم من توريطٍ أو خطأ؟ مثل التحرّي عن الجهة الدّاعيةِ لحدثٍ ما، والفنانين المشاركين، والجهات الرّاعيةِ والمموّلةِ؟
وفيما يلي جردة سريعة ببعض المواقفِ الملتبسةِ، والمواقفِ غيرِ المسؤولةِ، والتي أصبحَ من الصعب تبريرها، خصوصًا مع استمرارِ حربِ الإبادةِ على أهلنا في غزّة، وسخونةِ الجبهةِ اللّبنانيّةِ الجنوبيّةِ مع شمال فلسطين المحتلّة.

قبل أيامٍ في 31 أيار/مايو أحيَت المغنيةُ اللّبنانيّةُ هبة طوجي حفلًا فنيًّا على مسرح الأولمبيا الفرنسيّ، شاركت خلالَه المغنيةَ البلجيكيّة-الكندية لارا فابيان الغناء[1]. شاهدَنا فابيان المعروفة بدعمِها للكيان الصّهيونيّ والتي غنّت باللغة العبريّة في حفلِ التأسيس السّتين للكيان في العام 2008[2]، تغني إلى جانب من يتعرضُ وطنُها للقصفِ المستمرِّ من هذا الكيان. وليست هذه أول مرة تقع فيها طوجي في هذا الفخ.
فبالعودة إلى العام 2015، شاركت طوجي في برنامج (The Voice) الفرنسيّ الذي جمعها، وربما لسوء حظها، في أحد مراحله بمتسابِقةٍ إسرائيليّة، واختارت طوجي أن تأخذَ صورًا (لا صورةً واحدةً) مع المتسابِقةِ الإسرائيليّة[3]، ما أثار جدلًا كبيرًا في حينه، قابلَتهُ طوجي بالتزام الصّمت. لكنَّ الصّمت اليوم أمام ما يحدثُ في غزة وجنوب لبنان لم يعد مقبولًا، فإذا لم تتخذي موقفًا الآن فمتى؟
ونضيفُ إلى ذلك ما تكرّرَ مع عدّة فنانين كان آخرهم المغنية اللّبنانيّة نانسي عجرم بعد التقاطِها صورةً مع مدونٍ سياحيّ إسرائيليّ على هامش حفلِها في قبرص (بتاريخ 19 شباط/فبراير 2024)، مع العلم أنَّها لم تكن المرة الأولى التي تلتقطُ فيها عجرم صورًا مع إسرائيليين[4].
وقبلَ أسابيع، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعيّ بإعلان شركة بيبسي الجديد الذي يحملُ شعار “خليك عطشان”، وشارك فيه كلٌّ من المغنية اللّبنانيّة نوال الزغبي، والمغني المصريّ عمرو دياب، ولاعب كرة القدم المصريّ محمد صلاح، والممثل المصريّ أحمد السقا وآخرون [5]، متجاهلين دعوات مقاطعة الشّركةِ المتورطةِ مع الكيان الصّهيونيّ (راجع/ي ملف شركة بيبسيكو في الدليل).[6]

وإنّنا إذ نشيد بموقف الفنانين المصريين الذين رفضوا المشاركةَ في الإعلان، وهم بحسب عدّةِ مواقع إخباريّة [7] مغني الراب أحمد علي الشهير ب”ويجز” والممثلة دنيا سمير غانم والممثل أحمد مكي، التزامًا منهم بالمقاطعة واحترامًا لأنفسهم ولجمهورهم، فإنّنا ندعو جميع الفنانين إلى القيام بواجبهم الأخلاقيّ وتحديد موقفهم الإنسانيّ الواضح والصريح من الحرب الجارية، ومقاطعة كلّ ما يثبتُ دعمه للكيان الصّهيونيّ، من شركاتٍ وأشخاص.
وفي مقابل هذا، كان لافتًا موقفُ جمهور النادي ” الأهلي” المصريّ الذي أدارَ ظهره للفنان المصريّ محمدرمضان أثناء فقرته الغنائيّة في مباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم أمام نادي ” التّرجي ” التونسيّ[8]، تعبيرًا عن امتعاضه من مواقفه وغيابِه عن متابعةِ الأحداث الجارية، خلا بعض المقاطعِ المصوّرةِ التي نشرها على حساباته على مواقع التّواصل الاجتماعيّ. ورغم مُضيّ أكثر من ثلاث سنوات على حادثةِ الصّورةِ الشّهيرةِ لرمضان مع المغني الإسرائيليّ عومير آدام في دبي -وهي ليست الحادثة
الوحيدة له-، وتبريره غير المقبولِ لها [9] إلا أنَّه لم ينجح في حذفها من ذاكرة الجمهور.
وفي الختام، نتوجه إلى الفنانين والشّخصيّات العربيّة المؤثرة بالقول: إن كنتم تُقيمون لأنفسكم وزنًا، فكونوا مثلَ بعضِ الفنانين العالميين الشّجعان، وكونوا على قدرِ توقّعاتِ الجماهير العربيّة، والتزامها بقضاياها المحقّة. كونوا في عين التاريخ لا خارجه، اليوم دوركم…وإلا فمتى؟

 

[1] https://www.aljadeed.tv/entertainm”nt/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8
%A7%D8%B1-
%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9/489544/%D9%87%D8%A8%D8%A
9-%D8%B7%D9%88%D8%AC%D9%8A-
%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A6-
%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%A7-
%D9%81%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-
%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%81%D9%84%D9%87%D8%A7-
%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3-
%D9%88%D8%A7%’9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-
%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8
A-%D9%88-

[2] https://boycottcampaign.com/?p=1123

https://boycottcampaign.com/?p=3005
[3] https://www.alaraby.co.uk/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D8%A8%D8%A9-%D8%B7%D9%88%D8%AC%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%22%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D9%88%D9%8A%D8%B3%22-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A
https://al-akhbar.com/Opinion/18898
[4] https://www.instagram.com/p/C3kItg”oQ7N/?utm_source=Ig_web_copy_link&igsh=MzRlODBiNWFlZA==
[5] https://www.elbilad.net/info-
divers/%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85-%D9%85%D8%B5%D8%B1-
%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A3%D8%B2%D9%82-
%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-
%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-
%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%B3%D9%8A-
%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-129513
[6] https://boycottcampaign.com/?p=776
[7] https://www.aljazeera.net/news/2024/5/29/%D9%85%D8%BA%D8%B1
%D8%AF%D9%88%D9%86-
%D9%8A%’8%B4%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%86-
%D8%A8%D8%B1%D9%81%D8%B6-
%D9%88%D9%8A%D8%AC%D8%B2-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A
9
[8] https://www.mc-doualiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7/20240527-%D9%87%D9%84-%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%8A-%D8%B8%D9%87%D8%B1%D9%87-%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86-number-one-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%83%D8%A3%D8%B3-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7
[9] https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-5503457
https://boycottcampaign.com/?p=3587

آخر الأخبار