تذكّر حملةُ مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان بما جاء في وثيقتها بخصوص المتعاملين مع العدوّ الصهيونيّ، وهو أنّهم “جزءٌ لا يتجزّأ من الاحتلال نفسِه.
وبعضُهم أسهمَ في تعذيب أبطالِ المقاومة حتّى الموت، أو في تسليمهم إلى الاحتلال الذي سامهم أشدَّ أنواعِ العذاب. ومن ثمّ، فإنّه لا يجوزُ، تحت أيّ اعتباراتٍ طائفيّةٍ أو سياسيّةٍ ظرفيّة، التهاونُ في محاكمتهم محاكمةً عادلةً، كي يرتدعوا، هم وغيرُهم من العملاء في المستقبل، عن التعامل مع أعداء الوطن والأمّة.”(1)
ومردُّ تشديدنا اليوم على مسألة “الاعتبارات” هو ما نشهده من محاولات أقطاب السلطة الحاكمة التعاملَ مع قضيّة العملاء وكأنّها جزءٌ من “المحاصصة الطائفيّة”، بحيث يُعفى عنهم مقابلَ الإعفاء عن تجّار المخدّرات من جهة، وعن المتّهمين بالإرهاب من جهةٍ ثانية؛ علمًا أنْ لا طائفة واحدة ولا مذهب واحد لأيٍّ من المرتكبين في هذه الميادين جميعها، ولا يجوز التعاملُ مع الخيانة والإجرام من منطلق طائفيّ أو مذهبيّ أو زبائنيّ.
وترى الحملة اليومَ وجودَ حملة إعلاميّة تضليليّة تروّج أنّ العملاء مجرّدُ “مبعَدين عن أرضهم”، في حين انّهم فرّوا خوفًا من القصاص الذي يستحقّونه بسبب قتلهم وتعذيبِهم المناضلين الشرفاء.
غير أنّ الحملة تضيف أمورًا أخرى إلى موقفها المبدئيّ الوارد في الوثيقة:
أولًا، هؤلاء العملاء اكتسبوا جنسيّةً إسرائيليّة، وصاروا جزءًا من “المجتمع” الإسرائيليّ، ومن بنيته التعلّميّة والاجتماعيّة، ومن حركته الاقتصاديّة. وبعضُهم انخرط في مؤسّسات الاحتلال الأمنيّة والعسكريّة، واقتحم بيوتَ فلسطينيين في الضفّة الغربيّة وغيرها، واعتدى على سكّانها الآمنين، وسرق بيوتَهم، وتصرّف بطريقةٍ لا تقل انتهاكًا وإذلالًا لحقوق الإنسان عن قوّات الاحتلال ذاتها. وهذا ما يعرفه القاصي والداني من شعبنا الفلسطينيّ.
ثانيًا، هؤلاء العملاء، بسببٍ من ارتباطهم طوال عقديْن بالبنية الإسرائيليّة كما بيّنّا أعلاه، قد يكونون على ارتباطٍ بأجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة حتى اليوم. ونحن، كلبنانيين، لا يسعنا أن نطمئنّ إلى عودتهم إلى لبنان، وإلى وجودهم معنا في أحيائنا وجامعاتنا ومؤسّساتنا وحياتنا اليوميّة، وسنعتبرهم صاعقَ تفجير دائمًا.
ثالثًا، إنّ القول بوجوب “محاكمتهم محاكمةً عادلة” كان ليكون صائبًا اليومَ لو لم يبرهنْ جزءٌ من القضاء اللبنانيّ، تدريجيًّا، عن خضوعه لنظام المحاصصة السياسيّة-الطائفيّة التي “هرّبتْ” كبيرَ العملاء عامر الفاخوري في وضح النهار، وفرضتْ أحكامًا تخفيفيّةً مريبةً على عملاءَ سابقين. وعليه، فما دام القضاءُ يشوبه هذا العيبُ الخطير، فلا ثقةَ لنا من حيث المبدأ بمحاكمة العملاء في لبنان محاكمةً لا تخضع للاعتبارات الطائفيّة والمذهبيّة والزبائنيّة.
وأخيرًا، فإنّ معركتنا الوطنيّة ضدّ الاحتلال وعملائه، شئنا أمْ أبينا، متصلةٌ بمعركتنا من أجل الخلاص من حكم المحاصصة الطائفيّة والمذهبيّة. ولن يكون ثمّة وفاءٌ لشهدائنا وأسرانا ومهجّرينا إلّا بربط القضيتيْن معًا: التحرير من الاحتلال وعملائه، والتحرّر من نظام المحاصصة.
حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان-31 ايار 2020