في عام 2018 وجدت السلطات اللبنانية نفسها أمام ملف حساس يتعلق بالنفوذ الإلكتروني الإسرائيلي[1]. بعدما أثارت حملة «مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان» ملف استخدام منصات إسرائيلية داخل البلاد، وجّهت قيادة الجيش ووزارة الدفاع مراسلات إلى وزارة الاقتصاد تحذّر فيها من استخدام منصات إسرائيلية داخل لبنان عبر شركتين إسرائيليتين كانتا معتمدتين بكثرة حينها، بهدف الإيعاز إلى مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
بناءً على هذه المراسلات، أحال المدير العام للاقتصاد والتجارة بالإنابة آنذاك موسى كريم الملف إلى مكتب المقاطعة لإجراء ما يلزم، لتباشر وزارة الاقتصاد والتجارة بدورها إصدار كتاب موجّه إلى جميع موزعي خدمة الإنترنت وشركات نقل المعطيات يقضي بحجب الموقعين الإلكترونيين عن الشبكة اللبنانية وإظهار رسالة للمستخدمين تفيد بأن الموقع قد حُجب بناءً لأمر المراجع الأمنية[2]. لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ أرسلت الوزارة كتاباً آخر إلى وزارة التربية والتعليم العالي يقضي بوجوب مقاطعة هاتين الشركتين وتعميم القرار على جميع مؤسسات التعليم العالي.
الشركة الأولى هي WIX، وهي شركة برمجيات إسرائيلية تأسست عام 2006 وتتخذ من تل أبيب مقراً رئيسياً لها، مع انتشار مكاتبها في دول عدة حول العالم. تتيح للمستخدمين إنشاء مواقع إلكترونية بسهولة من دون حاجة المستخدم إلى معرفة متعمقة بالبرمجة، وتشبه إلى حدٍّ بعيد منصة «وورد برس».
أما الشركة الثانية فهي Timy Tap، وهي منصة تعليمية رقمية إسرائيلية تأسست عام 2012 في تل أبيب، متخصصة في تطوير محتوى تفاعلي للأطفال. تتيح المنصة للمعلمين والأهالي إنشاء ألعاب تعليمية ودروس رقمية بسهولة، عبر أدوات تسمح بإضافة الصور والأصوات والأسئلة. وقد توسعت خدماتها لتشمل تحويل الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، إضافة إلى دعم مواد متنوعة مثل الرياضيات واللغات والعلوم، ما جعلها من أبرز المنصات المستخدمة في المراحل المبكرة من التعليم.
ورغم صدور قرارات رسمية واضحة تقضي بحجب شركتي Wix وTinyTap في لبنان، فقد اكتشفت حملة «مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان» العام الماضي أن الحجب لم يكن شاملاً، إذ تبيّن أن المنصتين محجوبتان في مناطق محددة، بينما بقيتا متاحتين في مناطق أخرى، بعد سلسلة اتصالات أجرتها الحملة مع عدد كبير من المواطنين. غير أنّ الموضوع لم يلقَ حينها صدى واسعاً، على خلفية العدوان الإسرائيلي الموسع على لبنان في شهر أيلول (سبتمبر).
اليوم برزت مفاجأة جديدة، إذ أكدت عضو الحملة رجاء جعفر في حديث معنا أن موقعي Wix وTinyTap عادا للظهور على شبكة الإنترنت في مختلف المناطق اللبنانية، وهو ما تأكد بعد مراسلة الحملة لأصدقائها في مناطق عدة. تبين أنّ المنصتين متاحتان ليس فقط عبر المواقع الإلكترونية، بل أيضاً على متجري «آبل ستور» و«غوغل بلاي»، ما يقطع أي شكوك حول احتمال وجود خلل تقني أو تلاعب في عملية الحجب.
وأوضحت جعفر أن الحملة بصدد رفع كتاب إلى المدير العام لوزارة الاتصالات، بعدما تواصلت مع مكتب مقاطعة إسرائيل في لبنان وتأكدت أنّ قرار الحظر لا يزال سارياً ولم يتم إلغاؤه. أمر يفتح الباب أمام تساؤلات حول كيفية عودة هذه المنصات الإسرائيلية إلى الظهور في الفضاء الرقمي اللبناني.
وعلى مستوى الأمن الاقتصادي، كانت الحملة قد كشفت سابقاً عن دخول عربات أطفال تابعة لشركة Doona الإسرائيلية المملوكة من الإسرائيلي يؤآف مزار، إضافة إلى بضائع غذائية مثل مقرمشات Elephant العائدة لشركة «ألكا» المملوكة للإسرائيلي أمير كرنتزيا، إلى السوق اللبناني[3]، وراسلت حينها مكتب المقاطعة في الوزارة.
وبعدما طرحت «الأخبار» هذا الملف في أيلول (سبتمبر) الفائت (راجع الأخبار/ منتجات لبنانية في الأسواق: والحجار يخالف توصية مكتب المقاطعة) أرسل المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر كتاباً لمديرية حماية المستهلك يقضي بحجز هذه البضائع من الأسواق اللبنانية.
إلا أنّ الكارثة الكبرى تمثلت في عودة رصد هذه المنتجات الإسرائيلية في الأسواق اللبنانية، بعدما كانت قد سحبت سابقاً. ووفقاً لمتابعة حملة «مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان»، تبيّن أن القرار المتعلق بحجز هذه البضائع اصطدم بعقبة إدارية، إذ إن وزير الاقتصاد أحال الملف إلى رئيس الحكومة نواف سلام، لكن الأخير لم يوقع عليه حتى الآن، أي منذ ثلاثة أشهر كاملة. هذا التأخير أدّى عملياً إلى تعطيل قرار الحجز، ومنع إدراج هذه المنتجات على اللائحة السوداء، وهو ما فتح الباب أمامها للعودة مجدداً إلى رفوف المتاجر اللبنانية، في خرق واضح لسياسة المقاطعة.[4]
وتلفت جعفر إلى أنها المرة الأولى التي يُترك فيها ملف بهذه الخطورة من دون معالجة، رغم «أنه يعد من أسهل المعارك لنا لكونه يستند إلى أدلة واضحة على ارتباط مباشر بالعدو الإسرائيلي». وتُضيف أنّ «القلق اليوم يتجاوز مسألة البضائع نفسها، إذ يثير مخاوف من تورّط رسمي أو تواطؤ ضمني من قبل الدولة في تعطيل قرارات الحجز والمقاطعة».
[1]https://boycottcampaign.com/?p=4088
[2]https://boycottcampaign.com/?p=177
[3]https://boycottcampaign.com/?p=4441