مقاطعة إسرائيل: تحديات و آفاق واعدة

0

يحتدم النقاش في فلسطين و بعض البلدان العربية, كما في بريطانيا و إيطاليا و جنوب أفريقيا و الولايات المتحدة و غيرها, حول دوافع (بل جدوى) حملات مقاطعة اسرائيل; و هي حملاتٌ تتصاعد تلبيةً لنداء المجتمع المدني الفلسطيني في 9 تموز عام 2005, و الذي يطالب العالم بمقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها ( أو ما اصطلح على اختصاره بالأحرف الإنجليزية BDS) أسوةً بما فعله المجتمع الدولي من أجل هزيمة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.

المثير للغضب هو قيام النخب السياسية في الدول أعلاه بمعاملة اسرائيل لا كعضو عادي في المجتمع الدولي فحسب, بل و كعضو شرف أيضاً…هذا في حين تقوم اسرائيل بجرائم حرب في لبنان و فلسطين, و بأعمال تقارب الابادة الجماعية البطيئة في غزة تحديداً, و تواصل احتلالها للأراضي العربية, و رفضها حق عودة اللّاجئين الفلسطينيّين, و فرضها نظام أبارتهايد على حَمَلَة جنسيتها من  الفلسطينيّين في مناطق 48. و ما تزال اسرائيل رغم اضطهادها المركّب للشعب الفلسطينيّ بمكوّناته الثلاثة, و رغم انتهاكها القانون الدوليّ الانسانيّ و مواثيق الأمم المتّحدة, تتمتّع بحصانة غير مسبوقة بسبب الدعم الحاتمي الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات.

و برغم حصار غزة, و تجويعها, و تعتيمها, و قهرها, و تقتيل مئات المدنيين فيها, و قلع معظم أشجارها, و تحويلها بشكل ممنهج الى “صومال” جديدة, يتجرّأ معرضا الكتاب في تورينو و باريس على دعوة إسرائيل ك”ضيف شرف” هذا العام, احتفالاً بالذكرى الستّين لتأسيسها. و يصعب كثيراً لوم “الطليان” أو الفرنسيّين حين تستمر “القيادة” الفلسطينيّة في الحوار “الأخوي”  مع الحكومة الاسرائيليّة, و كأنّ التناقض بينهما لا يتعدّى بعض الخلافات حول قضايا حدوديّة بين جارتين مسالمتين! و ها هي الحكومات العربيّة, و بالذات في مصر و الأردن, تكرّس منطق الاحتقار الذاتي الذي طفا على السطح منذ توقيع اتفاقية أوسلو, و الذي يعارض قتل الفلسطينيّين و تشريدهم فقط لأنّ ذلك يلحق الضرر بأمن اسرائيل و ب”عملية السلام”.

في وجه كل هذا التهافت الرسمي أمام الوحش الصهيونيّ المسعور, انطلقت حملات جديّة, مؤثّرة وواعدة, تعلن الانتقال الى مرحلة نوعية جديدة في الصراع العربي-الاسرائيليّ, تستلهم أجمل ما في التاريخ الفلسطينيّ و العربيّ الحديث من روح المقاومة الشعبيّة للاستعمار و تجربة الكفاح المدنيّ في جنوب أفريقيا في آن. و هذا الملف الواقع في جزئين و الذي أردناه أن يصدر في الذكرى الستّين لنكبة فلسطين, يعرض تحليلات هامّة نابعة من تجارب المقاطعة في مواقع متعدّدة, بهدف اشراك القرّاء العرب-من خلال مجلّة الآداب العريقة, الرّائدة, و الداعمة بصدق و مبدئية لكل نضالٍ من أجل العدالة و التحرّر و التقدّم- في الجدل العالمي حول هذه الشكل المحوريّ من المقاومة المدنيّة, الذي قد يهدّد نموّه مكتسبات إسرائيل في الفترة الأخيرة…بل وأُسس إسرائيل و الحركة الصّهيونيّة برمّتها أيضاً.

فلسطين المحتلة – عمر برغوثي

مجلّة الآداب 6/5/4/2008

آخر الأخبار