المقاطعة تنتصر في ماكغيل: لا صمت عن الإبادة

0

 ميشيل هارتمن *

رلى الجردي *
مالك أبي صعب *

لم يكن أحد يتوقّع أن تحقّق مجموعة من أساتذة وأمناء المكتبات في جامعة ماكغيل، في مدينة مونتريال بكندا، هدفها بتبنّي قرار المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة ضدّ إسرائيل. فالجامعة كانت ولا تزال تتلقّى بفخر تبرعّات ومنحاً ماليّة كبيرة من شخصيّات صهيونيّة بارزة تدعم دولة إسرائيل. ومن بين هؤلاء المانحين، رجل كيبيكيّ اسمه سيلفان آدمز، يقدّم نفسه سفيراً لإسرائيل لدى كندا.

وبينما عمدت هيئات ومؤسّسات علميّة وأكاديميّة وثقافيّة عديدة حول العالم إلى قطع علاقاتها بإسرائيل، وتطبيق بنود المقاطعة، مضت جامعة ماكغيل، في الاتّجاه المعاكس لتكمل بناء مركز رياضيّ يحمل اسم سيلفان آدمز. على الموقع الإلكتروني المخصّص للمركز، نشرت الجامعة سيرة حياته وأشادت بإنجازاته ثمّ قامت بتسريع أعمال البناء على المركز خلال أقسى مراحل الاعتداء على غزّة بعد «طوفان الأقصى»، عام 2023، وفي خضمّ عمليّات الإبادة ضدّ الشعب الفلسطينيّ.

في الوقت ذاته، لم تتوانَ الجامعة عن نشر دعايتها حول تقديم «منح جامعة ماكغيل-تل أبيب، التعاونيّة في علوم الرّياضة». ورغم اعتصام عدد كبير من الناشطات والنّاشطين ضدّ اشتراك فريق آدمز، المعروف باسم «إسرائيل-پريميير تيك»، بمسابقة الجائزة الكبرى لركوب الدرّاجات، وتعرّضهم إلى القمع الوحشيّ من قبل رجال البوليس، استمرّت جامعة ماكغيل، بخطّتها في إكمال بناء المركز الرياضيّ.
إذًا، ساد في أثناء العامين الماضيّين جوٌّ من القمع والتهديد والتواطؤ بين إدارة الجامعة والمؤسّسات الإسرائيليّة التي تغذّي وتبرّر الإبادة.

رغم ذلك، يوم الجمعة، الواقع في 10 تشرين الأوّل من عام 2025، نجحت جمعيّة أساتذة جامعة ماكغيل، في أثناء اجتماع خاصّ لهيئتها العامّة، باعتماد قرار رسميّ يدعو إلى مقاطعة إسرائيل، أكاديميّاً وثقافيّاً. وقد دعت الجمعيّة إلى اتّخاذ «كلّ الخطوات اللازمة لتطبيق مقاطعة المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة، والضّمان بعدم مقاطعة الأفراد بل برامج الشراكة والاتفاقيّات لدى المؤسّسات الإسرائيليّة».

إنّ دعم الأساتذة وأمناء المكتبات العارم لقرار المقاطعة يؤكّد أنّ الأصوات المؤازرة لفلسطين والمندّدة بالإبادة التي تتعرّض إليها غزّة، لا يمكن إسكاتها. ويعدّ هذا الموقف المستند إلى مبادئ أخلاقيّة وإنسانيّة شاملة، نصراً كبيراً في جامعة كانت، حتّى مدّة قريبة، سدّاً في وجه أيّ عمل تضامنيّ مع فلسطين أو اعتراف بالإبادة التي تتعرّض إليها غزّة. ولقد وصفت صحيفة «ماكغيل تريبيون»، الطلّابيّة اعتماد قرار المقاطعة هذا بـ«التاريخيّ».

وبهذا النّصر الكاسح، تنضمّ هيئة أساتذة جامعة ماكغيل، إلى مسيرة 20 هيئة أو أكثر في كندا، وعشرات أخرى في أميركا الشماليّة وفي العالم، لتتوجّه بخطوات ثابتة نحو تطبيق المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة ضدّ إسرائيل. ومن هنا، صرّحت مجلّة «الغارديان»، بأنّ العالم يشهد اليوم حركة نوعيّة جديدة، إذ أصبحت «القرارات الدّاعمة لمقاطعة إسرائيل سائدة».

قبل أسابيع من التّصويت، كان عددٌ كبيرٌ منّا يظنّ بأنّ قرار اعتماد المقاطعة لن يحصل على الدّعم المنشود، وأنّ بعض الأساتذة سينسحبون تحت وطأة الضّغط والتّهويل من قبل زملاء أو هيئات معادية له أو من قبل الإدارة. كان علينا أن نؤمّن حضور 100 من الأساتذة وأمناء المكتبات معاً في الجلسة العامّة لجمعيّة الأساتذة كي يكتمل النّصاب، ولم يأمل كثيرون باكتماله وخافوا أن تذهب جهودنا أدراج الرّياح.

لكنّنا كثّفنا الاتّصالات وحضّرنا لاجتماع استقطب أكثر من 36 شخصاً، وكان الهدف منه منع اليأس من التسلّل إلينا إن اكتمل النّصاب أم لم يكتمل، وإن كسبنا الانتخابات أم لم نكسبها. كنّا نؤكّد على أهميّة الاستمرار بصبر وأناة حتى نصل إلى غايتنا المنشودة عبر هذه الهيئة أو هيئتنا النقابيّة الخاصّة في كلّية الفنون.

ذهبنا إلى الاجتماع العامّ يوم الجمعة، وكان 114 عضواً حاضراً وقت التّصويت. وكانت النتائج التالية: 2 امتناع عن التّصويت، 8 ضدّ، والغالبيّة العظمى، 104 أشخاص صوّتوا دعماً لقرار المقاطعة. حين أُعلنت نتيجة التصويت دوَّت القاعة بالتّصفيق والهتاف. في تلك اللّحظة كان زملاؤنا وأصدقاؤنا ومعارفنا وأفراد عائلاتنا من الفلسطينيّين حاضرين في أذهاننا وقلوبنا. شعرنا بأنّنا نجحنا في خطوة ولو صغيرة بدعم نضالهم والوقوف إلى جانبهم بعد أن فقدوا أحبّتهم وبيوتهم ومدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم.

لم ينبثق هذا النّجاح، قرار المقاطعة لأجل غزّة ولأجل فلسطين، بين يوم وليلة، بل أزهر شيئاً فشيئاً من عمق جهود جمعيّة تعاونيّة حثيثة لسنوات طويلة. قدّمت 12 زميلة وزميلاً في الجامعة اقتراحَ المقاطعة ومضوا عليه، ثمّ قام اثنان آخران بدعمه. بعد أيّام لاقى الاقتراح قبولاً لدى زملاء آخرين، عبّروا عن حزنهم لمعاناة أهل غزّة وإدانتهم لجرائم إسرائيل. ولقد طلبنا منهم الاتّصال بأساتذة في أقسامهم وبرامجهم لينضمّوا إلينا ففعلوا. وكي يأكّدوا على جدّيتهم في دعم القرار، قام عدد منهم بتغيير أو إلغاء مواعيد سفرهم التي خطّطوا لها من قبل كي يكونوا حاضرين يوم الجمعة، في قاعة الاجتماع للتّصويت.

تاريخ النشاط ومميّزاته

نكتب اليوم بعد لحظة الانتصار، لنقول إنّ اعتماد المقاطعة لم يكن ليتحقّق دون الجهود المتراكمة الحثيثة التي بذلناها على مدى سنوات، فبنينا صلات تضامن وتعاون بين الأساتذة وأمناء المكتبات والتلاميذ، ورسمنا شبكة علاقات فاعلة عبر شرائح اجتماعيّة متنوّعة، تشمل العاملات والعاملين في القطاع الصحّي والمحامين والهيئات النقابيّة في مونتريال.

ولقد طوّرنا مهارات خاصّة واستفدنا من خبرات جديدة في العمل الجمعيّ التضامنيّ داخل الهيئات المهنيّة، وذلك عبر عملنا على تحقيق المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة في الجامعة. فجميعنا أعضاء في جمعيّة دراسات الشرق الأوسط (MESA)، التي أقرّت بنود المقاطعة عام 2022، بعد سنوات طويلة من العمل المتواصل الدّؤوب. ولقد شاركنا في محاولات غير ناجحة لإحلال بنود المقاطعة التي تتعلّق بجمعيّة اللّغات الحديثة (MLA)، وجمعيّة الدّراسات الإيرانيّة (ISIS).

عملنا نحن الثلاثة على تطبيق بنود المقاطعة في ظروف مختلفة وسياقات متعدّدة داخل الجامعة وخارجها على مدى سنوات طويلة. عملنا محليّاً ومناطقيّاً مع زملاء لنا في جامعات وكلّيات مدينة مونتريال، وتقاسمنا أعباء الصّراع وشاركنا معاً في عدد من الحملات الأكاديمّية والسياسيّة الدّاعمة لآمال الشّعب الفلسطينيّ بالتّحرير ومنها ما نظّمناه عبر مؤتمر مجلس التنسيق لأجل فلسطين في تشرين الثاني من عام 2024.

هذه التّجارب تضافرت مع تجارب زميلات وزملاء لنا في هيئات أميركيّة شاملة مثل جمعيّة علم الإنسان الأميركيّة (ASA)، جمعيّة الدّراسات الأميركيّة (ASA)، وجمعيّة العلوم السياسيّة (PSA)، فبنينا أواصر أساسيّة معها ومع هيئات ثقافيّة مختلفة في كندا وفي العالم. هذه الجهود المشتركة التي بذلناها، ومسارات التعاون الجمعيّة التي أخذناها معاً، كانت حاسمة في ترسيخ التّضامن وتوسيع دائرة الدّعم وضمان الاستمرار بالوقوف مع فلسطين، خاصّة في جوّ تسوده العدائيّة والقمع.

لا نستطيع أن ننسى دور الطلّاب الأساسيّ وعملنا المشترك معهم، والمساعدة المتبادلة بيننا، محليّاً، في الجامعة وفي المدينة، لعقود طويلة، ساهمت في بناء قاعدة أساسيّة لعملنا التضامنيّ مع فلسطين. ولقد قدّمنا الدّعم للتلاميذ الفلسطينيّين ولهيئات طلّابيّة متنوّعة في حركة التّضامن والتّحرير، وربطنا جهودنا بجهود التلاميذ في ما يسمّى بـ«پرانتامب إيرابل» أو «إضراب التلاميذ»، عام 2012. في تلك المدّة، أصبح التعلّم من طريق العمل، بالنّسبة إلينا، كأساتذة ناشطين في حركة نضاليّة واسعة، أو مشاركين في أعمال تضامنيّة متنوّعة، أمراً أساسيّاً في بناء أنفسنا كأساتذة-ناشطين.

ولقد سعينا نحن وزملاؤنا في جامعة كونكورديا، التي تبعد 10 دقائق عن جامعة ماكغيل، إلى دعم مشاريع الحركة الطلّابية في جامعتَيْنا، الداعمة لفلسطين والمندّدة بالإبادة في غزّة. شاركنا في إضراباتهم واعتصاماتهم وشجّعنا زملاءنا بالمشاركة في نشاطاتهم ودعمها، واحترام قرارتهم وحقّهم بالإضراب ومطالبة إدارتَي الجامعتين بمقاطعة إسرائيل.

ولا بدّ من التنويه بأنّ مجتمع الطّلبة في ماكغيل كَسِبَ، في نيسان 2025، الإنذار القضائيّ المتعلّق بالإجراءات ضدّ الإبادة في فلسطين، وذلك بعد مواجهة طويلة. فقبل 16 شهراً رفضت محكمة الاستئناف في كيبيك، هذا الإنذار القضائيّ، لكنّ التلاميذ لم يتراجعوا وفي آخر المطاف أصبحت بنود المقاطعة جزءاً لا يتجزّأ من السياسة الرّسميّة لمجتمع الطلبة.

إنّ ما بدا مستحيلاً أن يتحقّق في ماكغيل، جامعة كان جسمها الطلّابيّ يوصف أحياناً بالتبلّد، تحقّق الآن مرّتين، إذ قام التلاميذ بالاعتصام والإضراب لأجل فلسطين. ولقد ساد في الجامعة شعورٌ بالتّضامن مع غزّة، بعد أن قام عدد كبير من الطلّاب بالتّصويت وتنفيذ إضراب شامل تضامناً مع فلسطين، في يوم 7 تشرين الأوّل 2025، ووقف الأساتذة من جامعتَي ماكغيل وكونكورديا، مع كليّة دوسون، بفخر وثبات مع الطلّاب.

لقد بذلنا جهوداً حثيثة، كأساتذة وأمناء مكتبات، لدعم النّضال الطلّابّي بكلّ أشكاله، بدءاً بالوقوف مع مخيّمات التّحرير والدّعم لفلسطين التي شيّدوها على أرض الجامعة، والتي كانت الأولى من نوعها في كندا، وانتهاءً بالدّفاع عن الطلّاب المناضلين ضدّ التشهير والاتّهامات وقرارات الفصل والعقاب التي أطلقتها إدارتا جامعتَي ماكغيل وكونكورديا. ولقد أدّت الهيئات الشبابيّة مثل (PYM) (IJV) (SSMU) (SPHR)، دوراً حاسماً في قيادة التّظاهرات والإضرابات والاعتصامات في المدينة وفي مدن كندا الأخرى. وكان عشرات الناس من بيئات متنوّعة، ينزلون إلى الشوارع تضامناً مع فلسطين، في أثناء تشرين الأوّل من عام 2023.

وفي 4 تشرين الثاني من السّنة ذاتها، قمنا كأساتذة بدفع المشاركات والمشاركين في مؤتمرَي جمعيّة دراسات الشرق الأوسط وجمعيّة علم الاجتماع الأميركيّة، لتعليق ندواتهم ومحاضراتهم والخروج من المؤتمر للانضمام إلى تظاهرة عارمة ضدّ الكيان الصّهيونيّ، شارك فيها 70 ألف إنسان، في ساحة الفنون في مونتريال.

ولقد كان لهذه التظاهرة العارمة، بدءاً بالتّخطيط لها وانتهاءً بتنفيذها، وما تخلّلها من تنظيم مشترك وتعاون مع حركة الشبّاب الفلسطينيّ ومع زميلاتنا وزملائنا في جامعة كونكورديا، دوراً مهمّاً في بناء أواصر التّضامن الأساسيّة بين الهيئات المختلفة، وتطوير مهاراتنا وخطواتنا لأجل المرحلة القادمة. ولقد ألهمت هذه التظاهرة العديد من الأكاديميّين خارج جامعتنا لوضع حجر الأساس لهيئات مماثلة في جامعاتهم، تعمل لأجل فلسطين.

من الأهمّية بمكان أن نذكر الأيدي الخفيّة التي عملت معنا وبجانبنا لتحقيق هذه المقاطعة، ونبدأ بأمناء الجامعات، الذين غالباً ما يتمّ تهميشهم في حركة التّضامن مع فلسطين. أمّا تلاميذ جامعتنا فلا يسعنا إلّا أن نذكر أنواع الدّعم والمشاركة التي قدّموها إلينا في كلّ خطواتنا، وكيف تبادلوا معنا الأفكار والهموم والمهارات، وكيف أغنوا وأضافوا لخطوات التثقيف حول مقاومة الاستعمار. فبدءاً بتنظيم حملات ضدّ إدارة الجامعة، ووصولاً إلى نقل الكراسي والطاولات وتجهيز القاعات التي نجتمع فيها، كان دور الطلّاب أساسيّاً. وقد ساهمت هذه العلاقة العميقة بيننا والتبادل الفاعل والعمل المشترك، في تطوير نضالنا ومشاريعنا كأساتذة في هذه الحركة الشاملة.

لم ينتهِ العمل بل بدأ الآن

لا نستطيع أن ننسى للحظة أبعاد نضال الشّعب الفلسطينيّ وحقيقة تضحياته الهائلة من أجل تحرير أرضه، ولا الأثمان التي دفعتها غزّة وأهلها ولا هول الإبادة. لذلك، فإذ ننوّه بنجاح جهودنا في اعتماد قرار المقاطعة في ماكغيل، نصفُ هذه الجهود بالخطوات المتواضعة أمام الكفاح لأجل التّحرير بكلّ أشكاله.

إنّ صراعنا لم ينتهِ بقرار المقاطعة يوم الجمعة، بل بدأ للتوّ. فهذا الأسبوع نبدأ بالعمل على تطبيق قرار المقاطعة داخل الجامعة وعبر أقسامها وبرامجها الأكاديميّة، لنمضي في مسار التّحرير الذي رسمه الشّعب الفلسطينيّ. إنّ تجاربنا في أثناء السّنوات العشرين الماضية، خاصّة في السّنتين الأخيرتين، أكّدت على فاعليّة العمل الجمعيّ المشترك، والنّضال الطويل، جنباً إلى جنب عبر كليّات الجامعة وأقسامها، والهيئات التعليميّة والنقابيّة والطلّابيّة داخلها وخارجها. بل أكّدت على أهمّية حركات الشّباب ودور الطلّاب في هذا المسار، وضرورة الاعتماد على دعمهم لنا، إذ نتقدّم معهم وإلى جانبهم نحو أهدافنا المشتركة.

* أساتذة ناشطون في جامعة ماكغيل – مونتريال، كندا

 

نقلًا عن جريدة الأخبار

آخر الأخبار