حملة المقاطعة: بيان جديد عن أليكسي كوتشيتكوف

0

حسنًا فعل زياد سحّاب حين أَعلن رفضَه المشاركةَ في “اَيّ مهرجان أو اعتلاء أيّ مسرح بمشاركة أيّ شخص لمجرّد أنّه يحمل جنسيّةَ الاحتلال الإسرائيليّ…” ففي نهاية المطاف، هذا ما يهمّنا كحملة مقاطعة، وكلبنانيين وعرب حريصين على وطننا وفنّنا. ولن ننجرّ إلى المماحكات والدناءات والأحقاد الصغيرة التي لم نعتدها يومًا، ولا يقوم بها إلّا فاقدو الحجّة والمعلومات.

لكنّ سحّاب أخطأ حين زعم أنّ لاعبَ الكمان أليكسي كوتشيتكوف، الذي يعزف معه في إطار مشروع موسيقيّ محدّد، قال إنّه “لا يحمل الجنسيّة الإسرائيليّة،” وأنّه “قد أصدر بيانًا بهذا الخصوص…”، فالدقّة تقتضي القول إنّ بيان كوتشيتكوف لم يتطرّقْ إلى الجنسيّة الإسرائيليّة. وننقل عنه حرفيًّا:

I am an independent Russian musician. I am not a Zionist and not representing Israeli government or any other government in any form or way.

أي: “أنا موسيقيّ روسيّ مستقلّ. لستُ صهيونيًّا، ولا أمثّل الحكومة الإسرائيليّة ولا أيّة حكومة أخرى بأيّ شكل او طريقة.” وهذا يعني أنّ كوتشيتكوف قد يكون، بحسب تصريحه، “غيرَ صهيونيّ،” ولكنّه ليس بالضرورة غيرَ إسرائيليّ. وقد “لا يمثّل الحكومة الإسرائيليّة،” بحسب تصريحه أيضًا، ولكنّ ذلك لا يعني أنّه غيرُ إسرائيليّ!

في كلّ حال، وبعيدًا عن التخمين، فلننظرْ إلى الحقائق عن كثب. لكنْ، قبل ذلك، يهمّ حملةَ المقاطعة أن تعلن أنّها لم تعلمْ بحفل برلين هذا إلّا بعد حصوله، وبعد انتشار الخبر على مواقع التواصل الاجتماعيّ، من دون صدور أيّ بيان من سحّاب، وإلّا لأخطرته الحملةُ بالأمر… علمًا أنَ شخصاً أخطرَه بذلك فعلًا (محمّد أبو حجر) ولكنّه للأسف وثِق بـ”معلومات” كوتشيتكوف ومنتِج الحفل. ولهذا، أصدرنا بيانَنا الأول طالبين إليه الانسحاب من الشراكة مع كوتشيتكوف.

***

من هو أليكسي كوتشيتكوف؟

بتاريخ 7 كانون الأول 2008، وعلى موقع “الوكالة اليهوديّة من أجل إسرائيل،” صورةٌ كبيرةٌ للفنّان، يرافقها مقالٌ يمتدح فيه كوتشيتكوف دورَ الوكالة في مساعدته على مغادرة روسيا والمجيء إلى “إسرائيل.” لكنْ، قبل أن نستمع إلى خلاصة حكايته مع الوكالة اليهوديّة، فلنذكّر القرّاءَ الكرام بهويّة هذه الوكالة.

على الصفحة الرئيسة للوكالة اليهوديّة، نقرأ ما يأتي: “كنّا أداةً فعّالةً في تأسيس وبناء دولة إسرائيل، ونواصل أداءَ دور الرابط الرئيس بين الدولة اليهوديّة والجاليات اليهوديّة في كلّ مكان… اليوم، نربط العائلةَ اليهوديّةَ الكونيّة بعضَها ببعض، فنأتي باليهود إلى إسرائيل، وبإسرائيل إلى اليهود، وذلك بتقديم ارتباطٍ إسرائيليٍّ ذي مغزى، وبتسهيل العودة (Aliya). نبني مجتمعًا أفضل في إسرائيل وما وراءها، مستحثّين الإسرائيليين الشبابَ ونظراءَهم في العالم على إعادة اكتشاف حسٍّ جمعيٍّ بالغاية اليهوديّة…”

الوكالة إذن ليست “يهوديّة،” بل صهيونيّة. وهدفُها الأساس (كما يتّضح من اسمها وتعريفها الأوّل) هو “إسرائيل” و”عودةُ” اليهود إليها.

نعود إلى الفنّان الروسيّ. فبحسب موقع الوكالة المذكور سابقًا (تاريخ 7/12/2008)، فإنّ هذا الفنّان، حين بلغ الرابعة عشرة، اصطحبه صديقٌ له إلى “نادي الشباب” التابع للوكالة، وقال له: “لا تخفْ. هذا [أيْ ما نفعله الآن] لم يعد ضدّ القانون. نحن أحرارٌ [الآن] في أن نكون يهودًا.” هناك، في النادي، تعلّم كوتشيتكوف مبادئَ اليهوديّة، ثم شارك في مخيّمٍ صيفيّ أقامته الوكالة. لكن الأهمّ هنا هو ما تضيفه الوكالة، من أنّ كوتشيتكوف، “بالتلازم مع يقظته اليهوديّة، اتّخذ قرارًا شجاعًا،” وهو أن يقوم بالهجرة إلى أرض الميعاد (Aliyah). ولذلك انخرط، وهو في في التاسعة عشرة من عمره، في برنامجٍ تقيمه الوكالةُ اليهوديّةُ للمهاجرين في النقب في فلسطين، وتعلّم العبريّةَ والحسابَ وغيرَ ذلك، قبل أن يَدخل أكاديميّةَ القدس للموسيقى والرقص.

حتى الآن، هذه حكايةُ أيّ يهوديّ صهيونيّ متحمّس لـ”العودة إلى أرض الميعاد” ــ ــ ـولو غافلًا عن وجود شعبٍ أصليٍّ فيها. الآن نأتي إلى الجملة الأهمّ على صفحة الوكالة اليهوديّة، وهي أنّ كوتشيتكوف هو “اليوم [كانون الأول 2008] يَخدم في الجيش [الإسرائيليّ] كجنديّ وحيد [منفرد] (lone soldier) في برنامجٍ خاصٍّ بالموسيقيين الشباب.”

و”الجنود الوحيدون(أو المنفردون)”ليس تعبيرًا مجازيًّا كما قد يظنّ البعض، بل وصفٌ حقيقيّ لجنودٍ في الجيش الإسرائيليّ، لا أقاربَ مباشرين لهم في الكيان الصهيونيّ. هؤلاء يُقدَّرون بعدّة آلاف (ما بين 5000 و8000 بحسب الفترة الزمنيّة المعنيّة)، يأتون من مختلف أنحاء العالم (روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا،…)، أو من داخل فلسطين المحتلّة نفسها. والأهمّ أنّ “معظمَهم يوضعون في وحداتٍ قتاليّة، ويأتون بحماسٍ عالٍ للخدمة في الجيش الإسرائيليّ.”

***

كيف يعيش الجنودُ الوحيدون أو المنفردون؟

إنّهم يتقاضوْن رواتبَ من الجيش الإسرائيليّ، وهي بالمناسبة ضعفُ رواتب الجنود “العاديين” في وحداتهم لأنْ لا عائلةَ تساندهم في العادة، ويتلقّوْن مساعداتٍ ماديّةً من الحكومة الإسرائيليّة، وتؤمَّن لهم بيوتٌ وفرصٌ للدراسة والعمل. ومن الجنود الوحيدين: مايكل ليفين، وهو مواطنٌ أميركيّ “عاد” إلى فلسطين المحتلّة سنة 2002، وقُتل في عيتا الشعب أثناء عدوان تمّوز على لبنان سنة 2006؛ ومنهم أيضًا ثلاثةُ أشخاص “عادوا” من كاليفورنيا وتكساس وليون إلى “أرض الميعاد،” فقُتلوا في غزّة صيف 2014.

السؤال الآن: هل الجنديّ الوحيد، أو المنفرد، يَملك الجنسيّة الإسرائيليّة؟

المعلوم أنّه يحقّ لأيّ يهوديّ قام بـ”العودة” (Aliyah) إلى “أرض الميعاد” التقدّمُ إلى دولة إسرائيل بطلب الجنسيّة، وسيحصل عليها خلال شهور قليلة في حال انتفاء أيّة أعمال جرميّة. لكنّ الحصول على الجنسيّة الإسرائيليّة، بالمعنى القانونيّ البحت، تفصيلٌ واحدٌ فحسب في حالتنا: فنحن هنا إزاء روسيّ يهوديّ غادر بلادَه، وتعمّد الذهابَ، بدافعٍ دينيّ (وربّما اقتصادي أو سياسيّ أيضًا)، إلى أرضِ شعبٍ آخر، وانخرط في جيشٍ يحارب هذا الشعبَ ويقتلُه ويدمّر بيوتَه. والسؤال الآخر هنا:

إذا ذهب لبنانيّ أو مصريّ، مثلًا، وبغضّ النظر عن طائفته أو مذهبه أو عقيدته، إلى الكيان الصهيونيّ، وعمل في جيشه، وروّج للوكالة اليهوديّة؛ فهل سيُدان بأقلّ ممّا يدان شخصٌ ارتكب تلك الأفعالَ ولكنّه وُلد في قلب هذا الكيان ويَملك جنسيّتَه؟!

أليس حصولُ كوتشيتكوف على الجنسيّة الإسرائيليّة (وهو ما نرجّحه بعيْد الهجرة من روسيا) تفصيلًا فحسب، مقارنةً بأعماله الدعائيّة والعسكريّة اللاحقة؟

***

والآن ماذا عن مواقف الفنّان الروسي/”الجندي الوحيد” في الجيش الإسرائيليّ بعد العام 2008، أيْ بعد تقرير الوكالة اليهوديّة من أجل إسرائيل؟

إذا تتبّعنا أخبارَه سريعًا، حصلنا على المواقف الآتية:

§ في تمّوز 2010، نشرتْ مجلة JCN مقالةً (ص 9) تتحدّث عن احتفالٍ تكلّم فيه “جنديّان وحيدان” من الجيش الإسرائيليّ على تجربتهما، أحدُهما كان أليكسي كوتشيتكوف. أما الموضوع فهو ما سبق أن نشرتْه الوكالةُ سنة 2008 ولخّصناه أعلاه. اللافت في الأمر أنّ “الاحتفال” جاء بمناسبة “يوم استقلال إسرائيل” (Yom Ha’atzmaut). بكلماتٍ أخرى، الفنّان الروسيّ/”الجنديّ الوحيد” في الجيش الإسرائيليّ مارس الدعاية للوكالة اليهوديّة في زمنٍ يصادف نكبةَ فلسطين، أيْ تهجير مئات ألوف الفلسطينيين وتدمير مئات البلدات والمدن الفلسطينيّة.

§     في 6/11/2014، عزف كوتشيتكوف في حفلٍ في برلين أقامته الجمعيّةُ الألمانيّة-الإسرائيليّة، تحت عنوان: “من إسرائيل مع الحبّ.” استضافت هذا الحفلَ جمعيّةٌ صهيونيّة شهيرة، هي Deutschland Keren Hayesod .

§  سنة 2012، شارك كوتشيتكوف على صفحته الفيسبوكيّة منشورًا عليه صورتان متجاورتان: الأولى لجنديّ إسرائيليّ يحمل طفلًا )يبدو( فلسطينيًّا، والثانية لمقاتلٍ من حركة حماس يحمل طفلًا فلسطينيًّا. فوق الصورة الأولى وتحتها الكلماتُ الآتية: “إسرائيل تحمي أطفالَهم” [أي اطفالَ فلسطين]، وفوق الثانية وتحتها: “حماس تَستخدم الأطفالَ دروعًا بشرية.”

هذا المنشور، كما هو واضح، لا يكتفي بتكرار أبرز ذريعةٍ يستخدمها العدوُّ لقتل أطفال غزّة وفلسطين، بل يزعم أنّ الجيشَ الإسرائيليّ أيضًا يحميهم. ونِعْمَ الحماية ــ ــ اسألوا أرواح حوالي 3000 طفل فلسطينيّ قتلهم هذا الجيشُ منذ انتفاضة الأقصى في أيلول 2000![1]

§  ـسنة 2014 نشر كوتشيتكوف على صفحته صورةً قال إنّه “يَفْخر بها: العلمان الألمانيّ والإسرائيليّ وراءنا.” المفارقة تغدو أشدَّ لذعًا إذا ذكرْنا أنّ هذا الفنّان سيزعم، بعد أعوام قليلة، أنه “غيّرُ مسيَّس”…. بل “خارج الأمم” بأسْرها.[2]

***

في الأعوام الأخيرة، استقرّ الفنّانُ/الجنديّ الوحيد (سابقًا) في برلين بسبب غلاء المعيشة في تل أبيب، ولأنّ أنوارَ برلين الفنيّة خلبتْ فؤادَه. ومنذ تلك اللحظة بدأ يخفّف من جهره بدعم الكيان الصهيونيّ والوكالة اليهوديّة، وراح في المقابل يركّز على شعاراتٍ من قبيل “ابتعاده عن السياسة” و”عالميّة الفنّ.”

في موضوع الهويّة، تحديدًا، راح كوتشيتكوف يتحايل ويراوغ، من دون أن ينفي حصولَه على الجنسيّة الإسرائيليّة. فحين سُئل ذات يوم كيف يعرِّف نفسَه أجاب: “إنْ كنتُ سأعرّفُ نفسي كروسيّ، أو كإسرائيليّ، او كأيّ شيءٍ آخر، فهذا لا يهمّ كثيرًا.”

***

الخلاصة؟

الخلاصة، بحسب بيانَيْ حملة المقاطعة في لبنان، أنّ اليكسي كوتشيتكوف غادر روسيا بدافع دينيّ (وربما سياسيّ واقتصاديّ)، فخدم في الجيش الإسرائيليّ، وروَّج للوكالة اليهوديّة من أجل إسرائيل، ومثّل الدولة الصهيونيّة في الخارج، وعزف في نشاطات داعمة للجاليات اليهوديّة ولـ”عودة” اليهود إلى فلسطين، ودعم قتلَ “جيش الدفاع” لأطفال فلسطين، ملقيًا اللومَ على حركة حماس.

هل تخلّى عن ذلك كلّه اليوم؟ ليس ثمّة أدنى دليل على ذلك. ولكنْ إنْ فعل، فليعلنْ ذلك بوضوح، وليتوقّفْ عن تلاعبه بالألفاظ، وليُشهرْ ندمَه على سيرته الصهيونيّة الملطّخة بالدم والترويج لتوطين يهود العالم على حساب الفلسطينيين. حينها فقط يمكن القول إنه “ليس صهيونيُّا”!

حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان

20 آب 2018

تحديث-

 حملة المقاطعة وزياد سحاب: نأمل أن تكون صفحة جديدة (23/08/2018)


[1] من بين لقطات screenshots المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولم نستطع الحصول على رابط لها.

[2] من بين لقطات screenshots المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولم نستطع الحصول على رابط لها.

آخر الأخبار