مواجهة الأبارتهايد في فلسطين و”جزيرة السلحفاة”[1]: حملة المقاطعة العالميّة و التجربة الكندية

0

منذ انطلقت حملة “مقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها” (م.س.ع. أو BDS) من قبل المجتمع المدني الفلسطيني في تموز 2005, و شبكات الناشطين على مستوى القاعدة في كندا تحشد التأييد لها. و يأتي هذا الاندفاع في العمل التضامني مع فلسطين في وقتٍ انحرفت فيه السياسة الحكومية الكندية بشكل دراماتيكي-بما في ذلك الإدارتان الليبراليّة و المحافظة- باتجاه انحيازٍ ضيّق الى إسرائيل الأبارتهادية (التمييزيّة).

 و تتضّح العلاقة الجديدة في ميْل الدبلوماسيّين الكنديّين الى التصويت بشكل متزايد ضد قرارات الأمم المتّحدة الناقدة لاسرائيل. و تتضّح تلك العلاقة أيضاً في مليار دولار من التجارة الثنائية, و 4 مليارات دولار في الاستثمار الخارجي المباشر سنوياً. و هذه الاتجاهات تتم قوننتها في “اتفاقية التجارة الحرّة الكنديّة-الاسرائيليّة” و في الأموال التأسيسيّة المقدّمة الى أعمال الشراكة الثنائيّة عبر مؤسّسة كندا-إسرائيل للبحث الصناعي و التنمية (CHRDF).

غير أن غالبياتٍ واسعة في أميركا الشمالية و أوروبا الغربية, على ما تُبيّن استطلاعات متوالية, تواصل تأييد حلّ المسألة الفلسطينيّة على أساس القانون الدولي. و إنّ مواصلة الحكومات الغربية إسناد نظام أبارتهايد (فصل عنصري) غير شرعي و ينفي الحقوق الفلسطينيّة-بما فيها حق العودة- يُظهر الهوّة العميقة التي تفصل الحكومات الغربية عن الناخبين الذين تمثّلهم اسميّاً. كما تبيّن تلك الاستطلاعات أنّ الحكومات المذكورة تخلّت عن مسؤولياتها في دعم القانون الدولي, بوصفها أعضاء في الأمم المتّحدة. و في هذا الإطار تصبح حركة المجتمع المدني الكوني, بقيادة حركة BDS ضد الأبارتهايد الاسرائيلي, مهمة جداً: فإذا لم تُحاسب حكوماتنا إسرائيل, فعلى المجتمع المدني أن يتقدّم ليفعل ذلك! و هذه المقالة تعاين كيفية تطوّر مثل هذه الجهود ضمن السياق الكندي, بما في ذلك قرار اتّخذه 200 ألف عضو في فرع انتاريو لأضخم اتّحاد كندي, ألا و هو “الاتحاد الكندي للموظّفين العموميّين” (CUPE) بدعم نداء المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات على إسرائيل.

مرحلة التحضير: التنظيم الكندي على مستوى القاعدة أثناء انتفاضة الأقصى

إن النجاحات الأخيرة لحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في كندا هي حصيلة مباشرة لمساعٍ لا تهدأ بَذَلها طوال سنوات ناشطون فلسطينيّون (و بخاصة لاجئون فلسطينيّون مقيمون في كندا) من أجل ترسيخ فهم أوسع في أوساط غير الفلسطينيّن للمطالب الأساسية التي قدّمتها الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.[2]

أثناء انتفاضة الأقصى, تُرجمت هذه الجهود بانبثاق حركة تضامن وَضعتْ, و بشكل متزايدٍ, المنظورات الفلسطينيّة في قلب تحليلاتها و مبادراتها. و اليوم يدعو الناشطون غير الفلسطينيّين (في كندا) بشكل علنيّ الى حق العودة, و يناقشون وقائع الأبارتهايد الاسرائيليّ, منحرفين انحرافاً كبيراً عن مراحل العمل التضامني السابقة عندنا (و هي مراحلُ هيمنت عليها آنذاك مقارباتٌ تشدّد على التسويات من قبل “الطرفين”).

لقد كانت مجموعاتٌ قاعديةٌ مثل مجموعة العودة (كندا) أساسيةً في تطوير وعيٍ أوسع بمركزيّة “حق العودة” في النضال الفلسطيني. كما أن مجموعة “صمود” و هي مجموعة تضامن مع السجناء السياسيين الفلسطينيّين, بذلت الكثيرَ لنشر ما يتعرّضون له من مأساة. و أخيراً, فإنّ منظماتٍ أهلية, مثل “البيت الفلسطينيّ” (ميسيسوغا) و “الاتحاد الكندي العربي” (CAF), تبنّت في النهاية مقارباتٍ أكثر استجابة لقواعدها إثر المأزق الذي بلغته مساعيها في الضغط السياسي على المسؤولين.

و على حرم الجامعات الكندية, خَلَقتْ منظماتٌ مثل “التضامن مع الحقوق الفلسطينيّة الإنسانيّة” (SPHR) و”جمعية الطلبة العرب” (ASC) فضاءاتٍ إضافية أبقتْ على فلسطين ضمن أجندتها. ولقد أدّت التظاهرات التي قادتها المنظمة الأولى ضد زيارة نتنياهو الى جامعة كونكوريا في مونتريال, و إقامة الجمعية الثانية في شباط 2005 “أسبوع الأبارتهايد الاسرائيلي” في جامعة تورنتو, و نشاطات أخرى, الى إثارة اهتمام اعلامي هائل بحركة التضامن الجديدة.

ثمّ إن “حركة التضامن العالميّة” (ISM), و”مشروع الأمل” (PH), و”مجموعات صانعي السلام المسيحي” (CPT), و”التباد التعليمي الكندي-الفلسطيني” (CEPAL) عرّفت الكنديّين أيضاً الى التجارب التي يحياها الفلسطينيّون على أرض الواقع, و ذلك من خلال الوفود و العمل التطوّعي و الحملات المرافقة الى فلسطين و لبنان (معزّزة بذلك الروابط العابرة للقوميات بين ناشطي حركات التضامن من جهة و المنظّمات الفلسطينيّة المنخرطة في مقاومة الأبارتهايد الإسرائيلي من جهة ثانية).

كانت الآثار التراكميّة لهذا التنظيم عميقةً, و تتضمّن:

1) إبراز الحاجة الى التضامن مع الشعب الفلسطينيّ بأسره (أي فلسطينيّ الأراضي المحتلة أثناء النكبة, و فلسطينيّ الأراضي المحتلّة عام 1967, و اللّاجئين الفلسطينيّين في الشتات).

2) التشديد على عيوب إطار “العمل المقتصر على الاحتلال” عام 1967: فالحق أن “إطار الأبارتهايد” يقدّم مقاربة أشمل للوضع الفلسطينيّ.

3) تبيان أهمية عمل المنظمات القاعديّة و التحالفات مع النضالات في أميركا الشمالية (أنظر أدناه).

4) التأكيد على أن التضامن يتجاوز العمل التوعوي باتجاه المواجهة الفاعلة مع الدولة الكندية بسبب تواطئها في تعزيز الأبارتهايد الاسرائيلي.

و لكن على الرغم من أن توحيد أُطر العمل المشتركة و الأهداف كان و ما يزال أمراً حاسماً من أجل بناء حركة تضامن فعّالة, فإنّ على تلك النجاحات أن توضع ضمن السياق السلبي الذي تحدّثنا عنه أعلاه. ذلك أن الحكومة الكندية تواصل مسارها اليمينيّ, مصطفّةً بشدّة وراء السياسة الأميركية في الشرق الأوسط (فالولايات المتّحدة هي, في النهاية, أكبر شريكٍ اقتصادي لكندا). و عليه, فإنّ ترسيخ إجماع كندي كبير في صفوف النخبة مؤيّدٍ للأبارتهايد الاسرائيليّ- بما في ذلك التحرّك المكثّف الذي تقوم به المنظّمات المحليّة الصهيونيّة لكبح أي تحدٍّ لشرعية هذا المشروع- يُبرّر طبيعة التحدّي المذكور. و مع ذلك, فقد حقّقت الحركات القاعدية بعض النجاحات المهمّة في الدفع قدماً بعمل “المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات على إسرائيل” (BDS) و في تعريف جمهورٍ أوسع بالأبارتهايد الاسرائيليّ.

القرار 50: “الاتحاد الكندي للموظّفين العموميين”-فرع أونتاريو أول اتحاد في أميركا الشماليّة يتبنّى BDS

في أواخر أيار 2006 تبنّى 900 مندوب في الاجتماع السنوي لفرع أونتاريو في “الاتحاد الكندي للموظفين العموميّين” (CUPE) القرار 50, الذي يُلزم أعضاءه (وعددهم مئتا ألف) بدعم نداء فلسطين الى مقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها. و هذا الفرع هو أكبر فروع الاتحاد المذكور, الذي هو بدوره أكبر اتحاد نقابيّ في كندا, و يمثّل عمّال القطاع العام (بمن فيهم عمّال القطاع التربوي, و عمّال البلديّات, و عمّال الرعاية الصحيّة, و عمّال الخدمات الاجتماعيّة, إلخ). وهكذا أصبح الاتحاد المذكور –فرع أونتاريو أول اتحاد نقابي أساسي في أميركا الشماليّة (والاتّحاد الأوحد حتى الآن)؟ يتبنّى نداء BDS.

كان الردّ على القرار خاطفاً. فقد تعرّضت هيئة الاتحاد المذكور لإدانة شاملة تقريباً من الصحافة الكنديّة, و لاستهداف شرسٍ من قبل المنظّمات الصهيونيّة اليمينيّة, و لفيضان من الاتّصالات الهاتفية و الرسائل الالكترونيّة من طرف ناشطين مؤيّدين للصهاينة يدينون تصويت الاتّحاد. و من بين الاتّصالات الهاتفية و الرسائل الالكترونيّة عددٌ من التهديدات بالقتل, و جَدَت طريقها أيضاً الى منازل بعض أعضاء الاتّحاد. و قد كانت التهديدات و المضايقات حادّة طوال أسبوعين تقريباً, ثم خَمَدت ببطءٍ في الشهرين التاليينز مرّت “العاصفة” الأولى, وبقي القرار, و صار بالإمكان البدء بالعمل الحقيقي على تنفيذه.

كما حرّك القرار 50 المجموعات المؤيّدة المهلّلة له, بما فيه حركة التضامن مع الشعب الفلسطينيّ, و المنظّمات اليهوديّة المحليّة المعادية للصهيونية, و بعض قيادات الاتحادات (وأبرزها دبْرَه بُوركْ, الرئيسة العامة للاتحاد الكندي لعمّال البريد CUPW). كما كان ردّ الفعل الدولي الايجابي بليغ الأثر, ووصلت رسائل تأييد من فلسطين و جنوبي أفريقيا و المملكة المتحدة و أوستراليا و نيجيريا و بلدان أخرى.

ماذا يفعل القرار و لماذا كان مثيراً للجدل الى ذلك الحد؟ يشرح سِدْ رايان, رئيس فرع أونتاريو في الاتحاد الكندي للموظّفين العموميّين, قائلاً: “في نهاية الأسبوع الماضي, و من بين قراراتٍ أخرى حول الرعاية الصحيّة و المعاشات و الخدمات الاجتماعية و التعليم و شؤون العدالة الاجتماعية, صوّت مندوبو فرع أونتاريو في الاتّحاد, الذين حضروا المؤتمر السنوي في أوتاوا, تصويتاً كاسحاً لصالح دعم حملة كونية ضد سياسات دولة اسرائيل الشبيهة بالأبارتهايد الى أن تعترف هذه الدولة بحق الشعب الفلسطينيّ, غير القابل للتصرّف, في تقرير مصيره.”و ينص القرار على التالي:

“فرع أونتاريو في الاتحاد الكندي للموظفين العموميين سوف: 1-يطوّر, بالتعاون مع منظّمات حقوق الانسان و منظّمات التضامن مع فلسطين, حملة توعوية حول الطبيعة الأبارتهايدية للدولة الاسرائيليّة, و حول الدعم الاقتصادي الكندي لهذه الممارسات. 2- يدعم الحملة العالمية من أجل مقاطعة إسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها حتى تفي إسرائيل بالتزامها الاعتراف بحق الشعب الفلسطينيّ غير القابل للتصرّف في تقرير المصير, و حتّى تذعن إذعاناً كاملاً لمبادئ القانون الدولي, بما في ذلك حق اللّاجئين الفلسطينيّن في العودة الى بيوتهم و ممتلكاتهم بموجب قرار الأمم المتّحدة رقم 194. 3- يدعو الاتحاد على مستوى كندا بأكملها الى الالتزام بالبحث عن تورّط كندا في دعم الاحتلال الاسرائيليّ, و يناشد مؤتمر العمّال الكنديّين () أن يشاركنا التعبئة ضد الممارسات الشبيهة بالأبارتهايد التي ترتكبها الدولة الاسرائيلية و الى الدعوة الى التفكيك الفوري للجدار. و الأسباب:

* أن جدار الفصل العنصري الاسرائيلي قد تمّت إدانته و اعتباره غير شرعبي بموجب القانون الدولي.

* وأنّ أكثر من 170 حزباً سياسيّاً و اتحاداً و منظمة فلسطينيّة أصدرت في تموز 2005 نداءً من أجل حملة كونية لفرض مقاطعات على إسرائيل و سحب الاستثمارات منها, شبيهة بما فُرض ضد جنوبي أفريقيا الأبارتهايدية.

* و أنّ الاتحاد الكندي للموظّفين الكنديين-كولومبيا البريطانية أدان و ما يزال يدين, بحزم و جهاراً, احتلال فلسطين, و قد باشر حملةً توعوية بخصوص الممارسات الشبيهة بالأبارتهايد التي ترتكبها الدولة الاسرائيليّة.

لم يكن القرار سيمرّ لولا وجود نواه ملتزمة من المنظّمين داخل الاتّحاد المذكور, قادرة على ضمان وصول ذلك القرار الى المؤتمر, و على العمل من ثمّ مع قيادة الاتّحاد على وضع خطة عمل. و لقد كانت النصيحة التي قدّمها المخضرمون داخل حركة الاتّحاد, و لا سيما أصحاب التجارب في حملات مقاطعة جنوبي أفريقيا الأبارتهايدية في الثمانينيات, حاسمةً في توجيه المنظّمين الشباب الدّافعين باتجاه BDS.

كانت للقرار نتائج إيجابيّة متعدّدة. فلقد مكّن “التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيليّ” (CAIA) من استضافة مؤتمر عام في تشرين الأول 2006 حول BDS, شارك فيه ممثّلون من حركات المقاطعة في جنوبي أفريقيا و المملكة المتّحدة و فلسطين. و قد مكّن المؤتمر المجموعات العاملة في ذلك التحالف من الدّفع قدماً بحملة BDS في عدد من القطاعات. و لقد أثار القرار 50 اهتماماً متزايداً في كندا بهذه الحملة, و أسهم في تطوير عملها على مستوى الكون.

و في داخل فرع أونتاريو من الاتحاد الكندي للموظّفين العموميّين, أدّى القرار الى نشوء وحدة () توعوية داخلية أعدّت من أجل توعية القواعد بطبيعة القرار و حقيقة الأبارتهايد الاسرائيلي و أهمية دعم الاتحادات النقابية لحملة BDS وأتاح فرصة امتداد أوسع أمام نشطاء التضامن مع فلسطين لكي يتحدّثوا مباشرة الى المئتي ألف عضو في فرع أونتاريو في الاتحاد المذكور, و لكي يثيروا النقاشات حول فضائل BDS داخل حركة النقابات الكندية عامةً.

من المهم أن نشدّد على أنّ هذا العمل التوعوي داخل الاتحاد قد كان أهم إنجاز حقّقه القرار 50. فلقد مكّن من إيصال رسالة فلسطين الى آلاف الأفراد الثين لم يسبق أن تعرّضوا لأي تحليل للنضال الفلسطينيّ. و إنّ الموافقة على قرارٍ ما أداة توعوية جبّارة لأنّها تفتح الآفاق أمام الوصول الى الناس و مناقشة القضايا; فالحال أن نجاح قرار ما لا يمكن قياسه, أساساً, بالاعتماد على ما تقرّره قيادة أي اتّحاد فحسب.

هذا و قد تم تنظيم ندوات عن فلسطين ضمن مؤتمر “الاتحاد الكندي للموظفين العموميين” الخاص بحقوق الانسان في فانكوفر (تشرين الثاني 2006), و في مؤتمر الاتحاد المذكور نصف السنوي في تورنتو (تشرين الأول 2007). كما حضر فريقٌ يمثّل فلسطين, ولأول مرة في تاريخ كندا, الى مسيرة يوم العمّال السنوية في تورونتو, و أبرزوا “قوافلَ” مقدّمة الى فلسطين و مزيّنة بالرسوم, و هي من إنتاج الفنّان الفلسطيني عبدالرحمن المزين (أيلول 2006) فضلاً عن نسخة عملاقة ل”حنظلة” ناجي العلي (أيلول 2007). ووُزّعت آلاف المنشورات المتعلّقة بحملة BDS على الاتحاديين الخمسة و العشرين ألفاً و على المشاهدين الذين يحضرون العرض كل عام.

شبكة “عمّال من أجل فلسطين” (LFP) عملتْ, بشكل خاص, على بناء شبكة متنامية بشكل ثابت, من المنظّمين القاعديين على امتداد حركة النقابات الكنديّة.و قد ركّزت الشبكة على إثارة النقاشات و على التوعية ضمن حركة العمّال الأوسع, رغم عدائية كثير من قيادة النقابات الكنديّة, بما في ذلك عدائية رؤساء “عمّال السيارات الكنديّين” (CAW) و”مؤتمر العمّال الكنديّين” (CLC). كما صاغت ردّاً على الرسالة المفتوحة التي أصدرها 26 رئيساً نقابياً, مركزهم في الولايات المتحدة يدينون التبدّل باتجاه تبنّي BDS في المملكة المتّحدة, و عملت على تبادل التجارب مع حركة BDS الوليدة ضمن الحركة العمّاليّة في الولايات المتحدة.

بناء شبكة قاعديّة كندية: دور “التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيلي” (CAIA)

تشكّل “التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيلي” في كانون الثاني 2006 في تورونتو, بعد تعاون ناجح مع عدد من المنظّمات الفلسطينيّة و منظّمات التضامن مع فلسطين ضدّ سلسلة الأحداث التي وقعت في نهاية العام 2005 و أثارت حفيظة المعارضة. و تتضمّن تلك الأحداث دعوة “الجاليات اليهودية المتحدة” (UJC) أرييل شارون, وزيارات قام بها مجرمو حرب إسرائيليّون الى كندا (ومنهم الجنرال دورون ألموغ), و مشاركة رئيس شرطة تورونتو بِلْ بلير في “المسيرة السنوية من أجل إسرائيل”.

على أن التحالف المذكور و خلافاً لتلك التظاهرات التي اتّسمت بردود الفعل, صُمّم ليكون استباقي التأثير (proactive), و ذلك عبر وضع نداء المجتمع المدني الفلسطيني الى المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات في قلب أساس وحدته.فلقد كان هدف التحالف منذ نشأته هو بناء دعم واسع لحملة BDS في كندا, و قدّم وما زال يقدّم دعماً قاعديّاً مهمّاً لفرع أونتاريو في الاتحاد الكندي للموظّفين العموميّين عقب إصدار القرار 50, و منبراً للتنظيم في مدنٍ أخرى و عبر قطاعاتٍ وفضاءاتٍ تنظيميةٍ أخرى.

ولقد نمت مجموعاتٌ كثيرةٌ, مثل “الفن يردّ” (ASB), و”طلّاب ضد الأبارتهايد الإسرائيلي” (SAIA), و”عمّال من أجل فلسطين” (LFP), و لجانٍ تجمع بين مدن متعددة و تتعاطى الاستراتيجيات الإعلامية و البحثية الآيلة إلى الدفع قدماً بالمقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات على إسرائيل. و منذ مؤتمر BDS الذي عقده التحالف المذكور (أنظر أعلاه), نما هذا التحالف ليغدو شبكة عامةً ذات تنسيق مرن في مدنٍ كندية أساسيّة, و تتضمّن:”حملة مقاطعة الأبارتهايد الإسرائيلي” (BIAC) في فانكوفر, و”التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيلي” في فيكتوريا, و”التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيلي” في مونتريال, و مجموعات مشابهة في وينبيغ و أوتاوا و هاليفاكس و غيرها من الأماكن.

على أن الحملة الوطنية الأساسية التي يخوضها “التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيليط هي مقاطعة مكتبات شابتزر/انديغو, عبر حث الناس على الطلب من هَذِرْ رايسْمَنْ و غَري شوارتز (وهما المالكان الأساسيّان لأسهم أضخم شركة لبيع الكتب بالتجزئة شابتزر/انديغو) بقَطع كل العلاقات الماديّة مع “مؤسسة HESEG للجنود المتوحّدين”. و كانت رايسمن و شوارتز قد أنشأا هذه المؤسسة من أجل تقديم المنح الدراسيّة للمرتزقة الأجانب (“الجنود المتوحّدين”) الذي أنهوا “بنجاح” خدمتهم في الجيش الاسرائيليّ و رغبوا بعد ذلك في الاستقرار في فلسطين. و الحال ان الحملة فعّالة من حيث توعية الآلاف بحقيقة الأبارتهايد الاسرائيلي, و الارتباطات الاقتصادية المباشرة بين الشركات الكندية و القمع الاسرائيلي في فلسطين.

ثم إن اللّجان الفرعية العديدة المنبثقة عن “التحالف المذكور” قد دفعت بعمل BDS في عدد من الجهات الأخرى. و تمّ ذلك عبر تنظيم معارض فنيّة, و عروض سينمائيّة, و جولات محاضرات, و ردود على منظّمات و مجموعات مؤيدة للأبارتهايد, إلخ. و منذ الصيف و شبكة “طلّاب معادون للأبارتهايد الاسرائيلي” تعمل بشكل ثابت على بناء ردّ متماسك على نشر عدد من الرسائل في حزيران/تموز 2007 كتبها رؤساء جامعات كندية كانوا قد أدانوا “اتّحاد الجامعات و الكليّات”,(UCU) في بريطانيا لإقراره اقتراحاً بمناقشة المقاطعة الأكاديمية للأبارتهايد الاسرائيلي. و كانت تلك الرسائل قد كُتبت من دون استشارة لجنة الأساتذة في الجامعات, و لا الهيئات الأكاديميّة المقرّرة, و لا الجسم الطلّابي الأوسع. و مؤخّراً عمل التحالف المذكور-فرع مونتريال- عن كثب مع “الجمعية من أجل تضامن نقابي طلّابي” (ASSE), التي تمثّل 60 ألف طالب من الكليّات التقنية في كيبك, من أجل إقرار اقتراح مقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها.

ملاحظة حول القيادة, والامتيازات, و بناء التحالفات: في مواجهة الكولونياليّة الاستيطانية في الداخل و الخارج:

إنّ إحدى السمات المهمّة في عمل “التحالف المعادي للأبارتهايد الإسرائيلي” و عمل الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة و حركة التضامن مع شعب فلسطين في كندا بشكل عام, هي التشديد على الوعي بنضالات أخرى من أجل تقوية عملنا. و هذا يعني, في سياق الحديث عن الاتحاد الكنديّ للموظّفين العموميّين, بناء الروابط مع مجموعات و لوبيات و حملات أخرى داخل ذلك الاتحاد تنادي بالعدالة الاجتماعية و تسعى الى المساواة. و أما في سياق أوسع, ألا وهو إشراك المجتمع الكندي عامةً, فذلك يعني إنحيازاً مشابهاً الى نضالات السكّان الأصليّين من أجل السيادة, و نضالات تحرّر السّود, و المنظّمات المكافحة للفقر, و حركات حقوق المهاجرين, و المجموعات المعادية للحرب و الإمبرياليّة, و الحركات المطالبة بالعدالة للسجناء, و التحالفات المطالبة بالعدالة البيئية, إلخ…

ولقد أثبتت التجربة بالتأكيد أنّ تنظيم العمل التضامني مع فلسطين يكون أشد فعالية حين يكون جزءاً من حركات اجتماعية أوسع. ذلك أن الطبيعة المتشابكة للعوامل السببية الماثلة في جذْر القمع الذي يتعرّض له الشعب الفلسطينيّ تتطلّب استراتيجيّة تضامن متعددة الأوجه, قادرة على بناء الروابط مع الحركات و النضالات الشبيهة. و بالفعل فقد بُنيتْ روابط ملهمةٌ بين هذه الحركات على امتداد أميركا الشماليّة في السنوات الأخيرة.

اللّافت للنظر بشكلٍ خاص هو التحالفات التي صيغت في القسم الجنوبي الغربي من الولايات المتحدة الأميركيّة بين منظّمات تعمل على مناهضة عسكرة الحدود الأميركيّة-المكسيكيّة (بما في ذلك بناء جدار عملاق), و منظّماتٍ تعمل على التضامن مع النضالات المناهضة لجدار الفصل العنصري الاسرائيليّ. و بالمثل, فإنّ العمل بين منظّمات التضامن مع الشعب الفلسطينيّ و منظّمات التضامن مع النّاجين من إعضار كاترينا ساعد على بناء روابط مهمّة في النّضال من أجل تطبيق حق عودة الأفارقة الأميركيّين المهجّرين داخليّاً الى نيو أورلينز, و حق عودة الفلسطينيّين الى أرضهم.

و في سياق أميركا الشماليّة كان حاسماً جداً بالنسبة الى العاملين على التضامن مع الفلسطينيّين أن يفهموا السياق الاستيطاني-الكولونيالي الذي ينشطون في خضمّه. فمن الصعب أن نعتقد أنّ حكومات اميركا الشماليّة ستعترف بحقوق الفلسطينيّين في تقرير مصيرهم إنْ هي واصلتْ إنكار حقوق شعوبها الأصلية نفسها في تقرير مصيرها وسيادتها. إنّ أي نصر لنضالات السكّان الأصليّين في أميركا الشماليّة سيُفيد حتماً في إعادة وضع النضال الفلسطينيّ في إطار أكثر إيجابيّة. وفي كندا عنى ذلك و يعني أن المنظّمات الفلسطينيّة و المنظّمات المتضامنة مع الفلسطينيّين شاركتْ و تشارك بنشاط في مطالة السكّان الأصليّين بأمة سيكوبيمي () في “منتجع قمم الشمس” (), و بأرض الأنيشيناب في غراسي ناروزْ, و بأرض الموهوك و الهودنسون في تينديناغا و كنِسِتون و كانهستاك و كاهناواكي. و هذا الشكل من التضامن بات يعني في الفترة الأخيرة دعماً فاعلاً للسجين السياسيّ, ابن كندا الأصليّ, شون برانت, وبناء شبكة مضادة للألعاب الأولمبيّة –شبيهة بما جرى أثناء الألعاب الأولمبية في سيدني- من أجل وضع نضالات السكّان الأصليين السياديّة في قلب الأجندة أثناء الألعاب الشتويّة الأولمبيّة في فانكوفر عام 2010.

وفوق ذلك كلّه كان و ما يزال من المهم مواصلة التشديد على الجهة التي تصدر عنها قيادة النضال من أجل مقاطعة إسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض العقوبات عليها. ذلك أنّه ينبغي أن يواصل ناشطو التضامن مع الشعب الفلسطينيّ احترام القيادة المباشرة من أكثر المتضرّرين من السياسات الأبارتهايدية الاسرائيلية, أي من المنظّمات الفلسطينيّة التي تمثّل مختلف مكوّنات الشعب الفلسطينيّ. وهذا يصح بشكل خاص اليوم بعد ان انبثق موقفٌ واضحٌ لا لبس فيه من المجتمع المدني الفلسطينيّ بالدعوة الى BDS.

إنّ “التحالف المعادي للأبارتهايد الاسرائيلي” و منظّمات أخرى في كندا تسعى الى العمل الوثيق مع قيادة حملات BDS في فلسطين, بما فيها “الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديميّة و الثقافيّة” (PACBI) و”اتّجاه” و”بديل” و”الحملة الشعبية لإسقاط جدار الفصل العنصري” إلخ…من اجل مناغمة خصوصية العمل التضامني مع فلسطين في كندا مع التيّارات الكونيّة الأوسع التي تدفع قُدُماً بحملة BDS كما أنّه يتمّ العمل الوثيق أيضاً مع حلفاء في بلاد مثل المملكة المتحدة و جنوبي أفريقيا سعياً الى تنسيق حملات عالمية استجابة للدعوات القادمة من فلسطين, و لتبادل الخبرات أثناء اللّحظات الحاسمة من الصراع.

* عضو في الاتّحاد الكندي للموظّفين العموميّين (CUPE) و أحد المنظّمين في”التحالف ضدّ الأبارتهايد الاسرائيليّ”.

[1]جزيرة السلحفاة (Turtle Island): المصطلح الذي يستخدمه كثيرون من الشعوب الأصلية في شمالي أميركا (بما في ذلك كندا و الولايات المتحدة)

[2] على امتداد هذه المقالة أستخدم تمييزاً أطلقه هنيّة و جمجوم و زيادة (عام 2006) بين حركة التضامن مع الشعب الفلسطينيّ من جهة, و الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. و هذا التمييز مهم, على ما يشدّد المؤلّفون الثلاثة, لأنّ ناشطي التضامن غير الفلسطينيّين لا يستطيعون أن ينصّبوا أنفسهم قادة بسبب غياب القيادة الفلسطينيّة. إلّا أن بناء حركة تضامنٍ فعّال, تحاول دائماً خَلْق روابط مع المبادرات الفلسطينيّة, قادرةٌ على أن تدفع قدماً و أن تُلهم عملية إعادة تنظيم الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة الأوسع ( مجلة Left Turn العدد 20, حزيران 2006)

كول كيليبَرْدا*

آخر الأخبار