عقب بيانيْ حملة المقاطعة عن شركة Hublot وراغب علامة، تدفّق في وجه حملتنا سيلٌ تغريديّ من الشتائم والتحريض
والاتهامات بالعمالة (لإسرائيل!). وكما ذكرنا في بياننا الثاني، فإنّنا لن ننجرّ إلى المهاترات السخيفة. لكنّ من حقّ شعبنا علينا ـ وضمنهم محبّو الفنّان راغب علامة ومُحبّاتُه ـ أن نقدِّم ردودًا على بعض المواقف التي طاولتنا؛ كما سنتعرّض في هذه الأثناء إلى بعض حجج الفنّان علامة ومكتبه الإعلاميّ.
***
1) “الصورة مركّبة“.
تداول بعضُ مريدي راغب علامة مقولةً تفيد بأنّ حملة المقاطعة “رَكّبتْ” صورتيْن، الواحدةَ فوق الأخرى: الأولى تُظْهره مع آخرين وهم يقطعون قالبَ حلوى في أحد احتفالات شركة Hublot، والثانية لنموذجيْن من الساعة مصمَّمَيْن حديثًا في الذكرى السبعين لنشوء “إسرائيل” ضمن 70 نموذجًا آخر. الواضح لأيّ إنسان (غير متحامل بالتأكيد) أنّ الصورتين منفصلتان: فلكلٍّ منهما زواياها الواضحة، وخلفيّتُها المختلفة، ومقاييسُها المغايرة. ولم ندّعِ يومًا، في أيٍّ من بيانيْنا أو منشوراتنا على مواقع التواصل، أنّ النماذج الإسرائيليّةَ التصميمِ طُرحتْ في حفلٍ واحد.
ومع ذلك فإنّ مطلبنا يبقى على حاله: موقفًا واضحًا حيال هذه الشركة من السيّد راغب علامة، “سفيرِها في الشرق الأوسط”، أكان هذا السفيرُ ما يزال في منصبه منذ العام 2015، أمْ توقّف عن ذلك قبل 7 شهور كما يقول. فهذه الشركة، التي لم يَدِنْها راغب علامة إلى هذه اللحظة بأدنى كلمة، أعلنتْ بشكلٍ واضحٍ تأييدَها للمجزرة الإسرائيليّة المتواصلة منذ 70 عامًا، وذلك عبر تصميم نماذج إسرائيليّةِ الشكلِ والهوى… واللونِ (الأزرق النيليّ) أحيانًا.
كما نشر موقعُ “فخر إسرائيل“، الذي يبيع هذه الساعات الإسرائيليّةَ التصميم، صورًا لها، مرفقةً بنصٍّ يتباهى بـ”الحلم” الصهيونيّ: “…لم نفقد الأملَ بعدُ؛ الأملَ بعد ألفيْ سنة، في أن نكون شعبًا حرًّا في أرضنا، أرضِ صهيون، وفي القدس!”
***
2) “الحملة ضدّ راغب حملةٌ كاذبة، وراءها إنسانٌ عميل ينبغي أن يحاسَب”.
هذا كلامٌ اقتبسناه حرفيًّا من إحدى مُناصرات راغب علامة على التويتر. حين تحدّاها أحدُ أعضاء الحملة بذكر اسم “الإنسان العميل”، ذكرتْه حرفيًّا، مع باقي أعضاء الحملة، واتّهمتهم جميعَهم بالعمالة لإسرائيل!
من الأسئلة التي قد تُطرح في هذا السياق، وتتعدّى الردّ على مثل هذه السفاهات، ما يأتي:
ما مصلحة حملة المقاطعة في التعريض براغب علامة؟ هل تريد إنزالَه عن عرش السوبرستار لتنصّب مغنّيًا آخر… من صفوفها مثلًا؟!
السيّد علامة، للأسف، كان هو مَن دشّن هذا الجوَّ الاتهاميَّ في حقّ حملة المقاطعة. فحوّل مطلبًا وطنيًّا نبيلًا مُحقًّا، ضدّ تصرّف شركةٍ متصهينةٍ محدّدة، إلى “حملةٍ” يقودُها أناسٌ “يَغِيرون” منه ويحسدونه على “نجاحه” بعد كلّ عمل فنّيّ “يكسّر الدني!“
ومؤخّرًا، أكمل راغب هذا الجوَّ الاتهاميّ، فزعم أنّ “الحملة” ضدّه هدفُها اغتيالُه. وراح يحاولتحريضَالنيابة العامّة ضدّنا!
ليت علامة، ومَن انساقوا وراءه، ناقشوا حملةَ المقاطعة في خلفيّةِ مواقفها، واستمعوا منها إلى تاريخ المقاطعة الفنّيّة والثقافيّة للعدوّ الإسرائيليّ ولداعميه في العالم. فالحملة كانت ستُطْلعهم، بكلّ حبٍّ واحترام، على دور هذه المقاطعة في جنوب أفريقيا وإيرلندا واسكتلندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال والهند واندونيسيا…، وعن نماذجها العالميّة (أمثال رودجر ووترز من فرقة بينك فلويد سابقًا)، وعن نجاحاتها التي باتت تشكّل “خطرًا استراتيجيًّا” على إسرائيل بحسب رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو.
تصوّرْ، يا سيّد راغب، لو أنّكَ توجّهتَ إلى الشركة التي تمثّلها في الشرق الأوسط، أو كنتَ تمثّلها وتجمعكَ بها “قصةُ حبّ لا تنتهي“، برسالةٍ من جملةٍ واحدة:
“كيف تحتفلون بمَن قَتَلنا طوال 70 سنة؟”
تصوّر الصدى الهائلَ الذي كانت ستحظى به رسالتُك هذه يا راغب! كنتَ ستتحوّل إلى سوبر ستار من نوعٍ آخر: داعمٍ للحقّ الفلسطينيّ والعربيّ والإنسانيّ. وكنتَ ستوجِّه صفعةً أخلاقيّةً كبيرةً إلى كلّ مَن يدعم “إسرائيل”، وإلى كلّ مَن يستغل الفنّانين من أجل أرباحه وتبييضِ صفحة الكيان المجرم.
نريدكَ، يا راغب، أن تكون، أوّلًا وقبل كلّ شيء، سفيرًا لنا، نحن العربَ المكتوين بنار الصهيونيّة، قبل أن تكون سفيرًا لشركةٍ تدعم عدوّنا. هذه الشركة لا تريد إلّا اسمَك وشهرتَك وهويّتَك اللبنانيّة العربيّة كي تزيدَ من انتشارها في الوطن العربيّ. Hublot، كما تعلم ياسيّد راغب، لن تُصْدر ساعاتٍ تُظهر المناضلة الفلسطينيّة الشابّة عهد التميمي، أو طفلًا فلسطينيًّا يرشق العدوَّ بالحجارة (!) لأنّ ذلك سيَجرّ عليها غضبَ الصهاينة والمتصهينين في الغرب؛ في حين أنّها “تستوطي حيطَنا” بإصدار ساعاتٍ إسرائيليّةِ الهوى لأنّها “واثقةٌ” بأنّ العرب سيسكتون، وسيبرِّرون، وربّما سيصفّقون لسفرائها!
***
3) “الدولة اللبنانيّة سمحتْ بوجود هذه الشركة، فما دخلُ حملة المقاطعة؟”
هذه مقولةٌ أخرى تداولها راغب ومحبّوه طوال اليوميْن الماضييْن. جوابُنا بسيط: المقاومة والمقاطعة والاحتجاجات ليست مسؤوليّةَ “الدولة” وحدها. فحين تضعف الدولةُ ومؤسّساتُها، أو حين تتقاعس عن واجباتها، تُناط المسؤوليةُ الفعليّةُ بالمجتمع والناس مباشرةً. هذا ما حدث في العالم: في فرنسا حين غزاها النازيّون، وفي بلدانٍ كثيرةٍ أخرى، ومنها لبنان حين انهارت الدولةُ، فتنكّبَ عبءَ المقاومة المسلّحة جمهورٌ شجاعٌ مؤمنٌ بأرضه وبقضيّته. وهذا ما يحدث منذ سنوات في ما يتعلّق بالمقاطعة في لبنان.
لقد كانت حملةُ المقاطعة في لبنان، وما تزال، ترصد الخروقَ الثقافيّةَ والفنيّة التطبيعيّة، والشركاتِ الداعمةَ للعدو، حتى حين تتخلّى مؤسّساتُ الدولة عن ذلك. ولا نذيع سرًّا إذا قلنا إنّ مكاتبَ المقاطعة في جامعة الدول العربيّة، بما فيها مكتبُ المقاطعة في لبنان (الذي نتمنّى أن يجري مدُّه بالعناصر التقنيّة والبشريّة الكفؤة)، قد تصدّت لبعض الخروق بناءً على تقارير من حملتنا، سواءٌ على صعيد الشركات الإسرائيليّة الموجودة بين ظهرانينا (لومينوس،…)، أو على صعيد الأفلام التي تتضمّن ممثّلين إسرائيليين (غال غادوت،…)، أو المخرجين الذين ذهبوا إلى الكيان الصهيونيّ (زياد دويري)،…
دورُنا، إذن، يا سيّد راغب، لا ينتظر موافقةً من أحد، خصوصًا أنّ الدولة في عداءٍ رسميٍّ ومعلن مع “إسرائيل.”
نحن، في العادة، نوجِّه رسائلَ دوريّةً إلى مكتب المقاطعة، التابعِ لوزارة الاقتصاد في لبنان. هذا المكتب يتجاوب أحيانًا معنا، وأحيانًا لا يتجاوب. لكنّ معيارَنا، في الأساس، ليس “دوْلتيًّا”، وإنّما هو معيارٌ أخلاقيّ ـ وطنيّ ـ ثقافيّ. ولهذا فنحن نوثّق دعمَ هذه الجهة أو تلك للعدوّ الإسرائيليّ، بغضّ النظر عن التزام الدولة أو مكتب المقاطعة بتوثيقنا.
***
4) “عقدُ راغب مع الشركة انتهى منذ 7 أشهر”.
حين أيقن علامة أنّ كلّ حججه لتبرير سكوته عن تصرّف Hublot باءت بالفشل، طلع على منتقديه بتصريحٍ جديد: “عقدي انتهى منذ 7 شهور!”
طيّب، لماذا لم يقل علامة ذلك حين كتبنا إليه عبر البريد الإلكترونيّ، وحين اتّصلنا بمدير مكتبه منذ أكثر من شهر؟
لماذا لم يردّ على البيان الأول الذي نشرناه في جريدة الأخبار ، وعلى صفحاتنا في 28 حزيران، وذكرنا آنذاك حسابَه على التويتر؟
لماذا لم يُبرزْ قبل شهر، وأمام الملأ، ذلك العقدَ المنتهية صلاحيّته كما قال؟ بل لماذا لم يُبرزْه حين أثير الموضوعُ قبل شهور، مثلًا على صفحة الإعلاميّة البارزة في قناة الميادين، السيّدة ضياء شمس؟
ومن هو السفير الجديد يا ترى؟
لم يتطرّقْ علامة إلى أيّ من هذه التساؤلات إلّا بالردّ الآتي: “لم أذكرْه [أي انتهاء العقد] سابقًا، إنّما أكشفُه الآن ليَظْهر أنّ توقيتَ الحملة غريب جدًّا ومشبوه”!
ولكنْ عن أيّ حملةٍ يتحدث راغب؟ هذا ما سندحضه في فقرةٍ لاحقة. أما هنا فنرى ما هو أخطرُ من الدحض: أنّ السيّد علامة أوقع نفسَه في ورطةٍ جديدةٍ جرّاء تصريحه الجديد.
فإذا كان عقدُه قد انتهى مع Hublot، فلماذا لم يدِنْها الآن بكلمة؟ لماذا “شدّد”على أنّ الشركة “سويسريّة لا إسرائيليّة” (وهل نجهل ذلك؟!)، وكأنّ دعمَ “إسرائيل” لا يكون إلّا إذا كانت الشركة الداعمة إسرائيليّة؟!
ولماذا زعم أخوه، السيّد خضر علامة،أنّ الشركة لم تُصدرْ إلّا نموذجًا إسرائيليًّا واحدًا “لأحد الأفراد لا أكثر ولا أقلّ”؟
وحين أبرزنا موقعًا يُظهر أنّ الشركة أَنتجتْ 70 نموذجًا إسرائيليًّا (أيْ على عدد سنوات المذبحة الإسرائيليّة المستمرّة منذ العام 1948!)، وأنّه يمكن شراؤها لمن يرغب، اكتفى علامة بالصمت والتجاهل. فلماذا؟
والسؤال الأخطر هنا: إذا لم يعد هناك رابطٌ “رسميٌّ” بين راغب وHublot منذ 7 أشهر،كما يقول راغب، فلماذا لم يَستخدمْ صداقتَه الطويلة مع الشركة (الممتدّة إلى ما قبل تعاقده الرسميّ) كي يدينَها على فعلتها، بدلًا من أن يدينَ حملةَ المقاطعة؟! لماذا أخلص لـ”قصة حبّه التي لا تنتهي” للشركة، بدلًا من أن يُخْلص لفلسطين والمقاومة والمقاطعة؟
بمعنًى آخر: إذا صحّ أنّ عقدَه انتهى مع الشركة قبل 7 شهور، فلماذا يتطوّع اليومَ للسكوت عن ارتكابها؟ ولماذا “يتبرّع” بخدمة أعداء المقاطعة؟! ولماذا لم يعلن موقفًا مؤيّدًا لمقاطعة الشركة بعد كشف “الحملة” المغرضة ضدّه؟!
***
إنّ راغب علامة أخطأ بسكوته عن ارتكاب الشركة، وأخطأ بهجومه على المقاطعة، وأخطأ بتأليب أنصاره ضدّها. نحن نحبّ راغب، ونحبّ جمهورَه لأنّ جزءًا عزيزًا من هذا الجمهور هو جمهورُنا نحن. وندعوه، بكل حبّ، إلى تصحيح موقفه، وإلى الانضمام إلى مقاطعة “إسرائيل”، أسوةً بالآلاف من الفنّانين والمثقفين والمناضلين في العالم.
حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان
الأخبار -24 تمّوز 2018