حملة المقاطعة: التطبيع عبر البوابة الدينية – علي الأمين (وغيرُه) نموذجًا

0

 ضمن مسلسل التطبيع المتسارع بين بعض الأنظمة العربيّة والكيان الصهيونيّ، أفادتنا الأنباءُ بانطلاق أعمال “الطاولة المستديرة الدوليّة للأعمال والحريّة الدينيّة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،” في 8/12/2019، في العاصمة البحرينيّة (المنامة)، وذلك بتنظيمٍ من “مركز الملك حمد العالميّ للتعايش السلميّ،” وجمعيّة “هذه هي البحرين،” بالتعاون مع “مؤسّسة الأعمال والحريّة الدينيّة” في واشنطن، وبمشاركة أكثر من ستّين شخصيّةً من صُنّاع القرار في قطاعات الاستثمار والاقتصاد ورجال الدين، وبينهم الحاخامُ الأكبرُ السابق للكيان الصهيونيّ، موشيه (بن) عمّار.

الملاحَظ في هذه الطاولة المستديرة، بشكلٍ خاصّ، الأمورُ الثلاثةُ الآتية:

1) حرصُ الولايات المتحدة على رعايتها المباشرة، وذلك عبر مؤسّسةٍ تجمع (في خلطةٍ لافتةٍ ومريبةٍ) بين البيزنس و”الحريّة الدينيّة.”

2) مشاركةُ مَركزٍ يحمل اسمَ حاكم البحريْن شخصيًّا؛ ما يشي بحرص النظام البحرينيّ على مواصلة خطوات مؤتمر حزيران/يونيو 2019 في البحرين، الذي اعتُبر مدخلًا لتمرير “صفقة القرن” الهادفة إلى تشتيت القضيّة الفلسطينيّة تمهيدًا للقضاء عليها.

كما تَلْفت الأنظارَ مشاركةُ جمعيّة “هذه هي البحريْن” في تنظيم الطاولة المستديرة المذكورة، وهي جمعيّةٌ بحرينيّةٌ معروفةٌ بمواقفها وممارساتها التطبيعيّة، خصوصًا بعد زيارة وفدٍ منها (قيل إنّه مكوّنٌ من 24 فردًا) إلى الكيان الصهيونيّ في كانون الأول (ديسمبر) 2017، وتجوُّلِه علنًا في القدس القديمة.

3) المباركة الدينيّة المزعومة لهذا التحالف المنشود بين البيزنس والتطبيع و”الحرّيّات.” وقد تمثّلتْ هذه المباركةُ في حضور رجال دينٍ وممثّلي “مؤسّسات دينيّة معروفة على مستوى المنطقة والعالم.” من بين رجال الدين: الأنبا يوليوس (النائب البابويّ والمشْرِف على كنائس منطقة الخليج العربيّ)، وشيخُ الإسلام طلعت صفا تاج الدين (المفتي العامّ لروسيا ورئيس الإدارة الدينيّة المركزيّة لمسلمي روسيا)، والقسّ صموئيل أبو جابر (من منظّمة “صلّوا لنا” الأردنيّة). وكلُّهم ركّزوا على مديح “الوسطيّة” و”الاعتدال” و”التسامح” و”المحبّة” و”التعايش” و”السلام،” وعلى الإشادة بملك البحرين راعيًا لهذه القيم “السامية.”

وفي هذا الإطار، سُجِّلتْ مشاركةُ السيّد علي الأمين، المفتي السابق لمدينة صور، المدينةِ الجنوبيّة اللبنانيّة الأبيّة، ورمزِ المقاومةِ الوطنيّةِ التاريخيّة للعدوّ الإسرائيليّ، في هذا اللقاء. وسُجّلتْ أيضًا صورتُه إلى جانب الحاخام الإسرائيليّ موشيه بن عمّار.

وُلد موشيه بن عمّار (سليمان موسى عمّار) سنة 1948 في الدار البيضاء، المغرب. هاجر إلى فلسطين المحتلّة سنة 1962. وهو الحاخامُ الأكبر السابق لليهود السفارديم للقدس (2014)، ولـ”إسرائيل” و”ريتشون ليزيون” بين العاميْن 2003 و2013 . سياسيًّا، بارك بن عمّار المرشَّحَ إلى الرئاسة الإسرائيليّة، بيني غانتز، سنة 2010 أمام “حائط المبكى” في القدس حين كان غانتز ما يزال نائبًا لرئيس الأركان. ومن مواقفه العدوانيّة الصريحة، التي تتناقض تناقضًا صارخًا مع مزاعمه “التعايشيّة” الكاذبة، قيادتُه سنة 2014 لصلاةٍ جماعيّةٍ أمام “حائط المبكى” من أجل نجاح مهمّة الجيش الإسرائيليّ وسلامتها في الحرب الإسرائيليّة الوحشيّة على غزّة. وقد قام الحاخام بزيارة جنود الجيش الإسرائيليّ على حدود غزّة من أجل مباركتهم قبيْل العمليّة العسكريّة، وصلّى “صلاةً شخصيّة” لهم.

هذا، وقد نقلت الأنباءُ أنّ بن عمّار قدِم إلى البحرين من خلال تنسيق جهاتٍ سياسيّةٍ وموظّفين في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. وفي تصريحاتٍ تُثْبت، لمن يريد أيَّ إثبات، أنّ “الطاولة المستديرة” تهدف إلى التطبيع السياسيّ مع الكيان الغاصب، قال بن عمّار لملك البحرين: “الشعوب في الشرق الأوسط تريد السلامَ مع إسرائيل، وعلى القادة الدفعُ نحو ذلك دون خوف،” مضيفًا أنّ “بركةَ السلام من القدس ستؤدّي إلى علاقات قويّة مع إسرائيل“. كما أعرب عن أمله في أن يستطيع جميعُ مواطني الدول زيارةَ “إسرائيل” والبحرين من دون تنسيقٍ خاصّ.

إنّ حملة المقاطعة في لبنان تدين هذا اللقاءَ، وتعتبره خطوةً أخرى في مسار التطبيع الاقتصاديّ والسياسيّ مع المجرم الإسرائيليّ. وهي تدين، بشكلٍ خاصّ، استغلالَ “الدين” لإضفاء “شرعيّةٍ” أخلاقيّةٍ وإلهيّةٍ مزعومة على تحالف القتلةِ والطُّغاةِ ورجالِ الأعمال. كما أنّ الحملة تشجب، بأقسى عباراتِ الشجب، حضورَ السيّد علي الأمين، المخالفَ لقانون مقاطعة “إسرائيل” (1955)، والضاربَ عرضَ الحائط بذكرى الشهداء ونضالاتِ المقاومين وعذابات الجرحى والأسرى والمهجَّرين، وبالتاريخ اللبنانيّ/العربيّ المعادي – في غالبيّته الساحقة – لدولة الاحتلال الصهيونيّ. وهي تضع مشاركتَه في هذا المؤتمر برسم مكتب مقاطعة “إسرائيل،” وكافّةِ الجهات الرسميّة المعنيّة، من أجل اتخاذ التدابير الملائمة.

إنّ التستّر بالغطاء الدينيّ، مرارًا وتكرارًا، خصوصًا منذ زيارة أنور السادات إلى القدس المحتلّة سنة 1977، من أجل تسويق التحالف مع المجرمين العنصريين القتلة، يأتي بعد إخفاق العدوّ، ومعه الولاياتُ المتحدة، في كسر شوكة الشعب الفلسطينيّ الباسل، وفي تفتيت حالة الرفض المتزايدة للهيمنة الإسرائيليّة – الأميركيّة على منطقتنا. وتدعو حملةُ المقاطعة في لبنان كافّةَ فئات الشعب العربيّ الحيّة، وضمنَها المؤسّساتُ الدينيّة، إلى إعلان موقفٍ واضحٍ وصريحٍ من رفض استغلال الدين في خدمة التطبيع مع الاحتلال والعنصريّة والإجرام.

حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان

10 كانون الأول (ديسمبر) 2019

آخر الأخبار