كلمة حملة المقاطعة واللقاء الوطني ضد التطبيع خلال اطلاق عريضة مناهضة التطبيع التربوي

0

 كلمة حملة المقاطعة واللقاء الوطني ضد التطبيع خلال  اطلاق عريضة مناهضة التطبيع التربوي

(مؤتمر صحافي، 15/10/2018)

سماح إدريس*

أمور كثيرة في لبنان والوطن العربيّ تبعث على الاستنكار. لعلّ أبرزَها استنكارُ بعضنا ما نحن مسؤولون، جزئيًّا أو كليًّا، عنه!

نستنكر الزبالةَ، لكنّنا “لا نَفْرز من المَصدر.” نستنكر الفسادَ والطائفيّةَ والمذهبيّة، لكننا لا ننتخبُ إلّا فاسدين وطائفيين ومذهبيين. نستنكر كيف لا يطالعُ أولادُنا صفحةً أو كتابًا، لكنّنا ـ معشرَ الآباءِ والأمّهات ـ نصرف الساعةَ تلو الساعة يوميًّا أمام التلفاز وشاشات التواصل الاجتماعيّ. ونستنكر أنّ اللبنانيين مشرذمون ومقسّمون، ثم نسكت عن نظامٍ تربويّ يتجاهل أسسَ قيام وحدةٍ وطنيّةٍ حقيقيّة.

وكيف لا يكون نظامُنا التربويّ كذلك وهو يتجنّب، عن سابق قصدٍ وتصميم، تربيةَ الجيل الجديد على الوعي بالقضيّة الفلسطينية، ووعيِ مخاطرِ الصهيونيّةِ على وجودنا، وكأنّه يُمكن الفصلُ بين الوطنيّة اللبنانية والعداءِ لـ”إسرائيل”؟

بل إنّ هذا النظامَ ذهب إلى حدّ تعليق “محور القضيّة الفلسطينيّة” في منهج التاريخ في الصفّ التاسع أساسي حتّى العام 2017، وكأنّ هذا المحور وباءٌ من الأوبئة، أو كأنّ القضيّة الفلسطينيّة هي سببُ ما نعانيه من أزماتٍ في الكيان اللبنانيّ منذ نشوئه! أمّا عذرُ التعليق فجاء أقبحَ من ذنْبِ ارتكابِه؛ إذ جاء على لسان “المركز التربويّ للبحوث والإنماء” أنّ تدريسَ القضيّة الفلسطينيّة “يمكن أن يَطرحَ إشكاليّةً في المجتمع اللبنانيّ،” وذلك (كما يبدو) على خلفيّة مشاركة الفصائل الفلسطينيّة في الحرب الأهليّة اللبنانيّة!

***

أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة،

لعلّكم تشاطرونني الرأيَ أنّه لا يمكن أن نبنيَ لبنانَ الجديد بجيلٍ ضائعِ الهويّة، مشتّتِ الانتماء، سائبِ الانحياز.

ولا يمكن بناءُ جيلٍ وطنيٍّ وإنسانيٍّ جديد في لبنان بالابتعاد عن فلسطين، والتنكّرِ لمأساةِ شعبها، وتجاهُلِ أواصرِ القربى العائليّة والجغرافيّة والقوميّة معها.

ولا يمكن بناءُ جيلٍ وطنيٍّ جديد إذا دأبْنا على استبعادِ فلسطين من امتحاناتِنا الرسميّة، وبشكلٍ ممنهج، منذ العام 1997، وكأنّها شرٌّ مستطير أو محرَّمٌ من المحرَّمات.

ولا يمكن بناءُ جيلٍ وطنيّ جديد ما دمنا نهْجس حتى اليوم بتفاصيل الحربِ اللبنانيّة جميعِها، ولا سيّما تجاوزاتُ عددٍ من الفصائل الفلسطينيّة ــ ــ وهي تجاوزاتٌ أعْمتْ بعضَنا عن رؤية جوهر القضيّة الفلسطينيّة، بما هي قضيّةُ عدالةٍ مطلقةٍ، يلتفّ حولها اليومَ ملايينُ الأحرار في أربع رياحِ الأرض: فنّانين، وأكاديميين، ومثقّفين، ونقابيين، ورعايا كنائس، وعمّالًا، وفلّاحين، وطلّابًا،…

وأخيرًا، لا آخرًا، لا يمكن بناءُ جيلٍ وطنيٍّ جديد في لبنان لا تكون مقارعةُ “إسرائيل” أحدَ مبادئِ وجودِه الأولى. فنحن لا نحاربُ هذا الكيانَ كرمى لعيون الشعب الفلسطينيّ، وإنّما حرصًا في الدرجة الأولى على لبنان نفسِه، شعبًا وأرضًا ومياهًا واقتصادًا ونِفطًا وثقافةً ووجودًا.

***

أيّها الحاضرون الكرام،

حملةُ المقاطعة واللقاءُ الوطنيّ ضدّ التطبيع قرّرا، منذ فترة، ألّا يَقتصرَ اهتمامُهما على التطبيع الفنّيّ والثقافيّ، وأن يخوضا غمارَ مواجهة التطبيع التربويّ في لبنان: على مستوى مناهج التعليم العامّ، ومشاريعِ التطوير التربويّ، بشكلٍ خاصّ. واللجنة التربويّة، المنبثقة عن “الحملة” و”اللقاء،” تَعتبر نفسَها نواةَ أيّ عملٍ إصلاحيٍّ في هذا الشأن، وتضع نفسَها في تصرّفِ كلِّ المهتمّين الجدّيين بهذا الأمر، من أساتذةٍ ومدراءَ ونقابيين ومقرِّرين ومثقفين وفاعلين اجتماعيين وتربويين.

لقد فاق التجاوبُ مع العريضة توقّعاتِنا. فقد تجاوز عددُ الموقّعين في الدفعة الأولى مئتين   وخمسين خلال أيّامٍ قليلةٍ جدًّا. الأهمّ هو مدى الحماس الذي صادفناه عند عرضِها عليهم، ما أشعرَنا بأنّ ثمّة تعطّشًا حقيقيًّا (لدى أساتذة المدارس بشكلٍ خاصّ) لإصلاح هذا الخلل الجوهريّ في النظام التربويّ.

نأمل أن يكون مؤتمرُنا الصحافيُّ اليوم خطوةً أولى في اتجاه وضع فلسطين في قلب المنظومةِ القيميّة التربويّة في لبنان.

بيروت

*رئيس تحرير مجلة الآداب، وعضو مؤسّس في حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان.

آخر الأخبار