يستمرّ عرض فيلم “كابتن أميركا: عالم جديد شجاع” (Captain America: Brave New world) وهو من بطولة الممثلة الإسرائيلية شيرا هاس في عدد من صالات السينما اللبنانية على الرغم من تبلّغ حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان في 20 شباط الماضي من مكتب المقاطعة التابع لوزارة الاقتصاد منع عرض الفيلم.
وكانت دعوات إلى مقاطعة الفيلم وهو من إنتاج “استوديوهات مارفل” التي تملكها شركة “ديزني”، ارتفعت في عدد من الدول العربية من بينها لبنان بعد أن أضافت سلسلة “كابتن أميركا” في فيلمها الجديد شخصية بطلة إسرائيلية خارقة تدعى صبرا تؤدّي دورها هاس التي سبق لها التطوّع في فرقة الموسيقى العسكرية ووحدة المسرح التابعة للجيش الإسرائيلي.
وعلمت “المفكرة” من مصدر مطّلع أنّ لجنة الرقابة على الأعمال السينمائية اتّخذت توصية بمنع عرض الفيلم بأكثرية الأعضاء البالغ عددهم ستة، لمشاركة ممثلة إسرائيلية فيه، إلّا أنّ وزير الداخلية سمح بالعرض على اعتبار أنّه “لا يوجد أسبابٌ للمنع”.
ويشير المصدر إلى أنّه كان هناك اختلاف في وجهات النظر حول المنع وعدمه، واتخذت التوصية بالأكثرية وليس بالإجماع، متحفّظًا على ذكر المزيد من التفاصيل حول الأسباب الذي ذكرها أصحاب الرأي المؤيّد لعرض الفيلم رغم ضمّه ممثلة إسرائيلية.
ويضيف المصدر أنّ “اللجنة هي هيئة استشاريّة لا تملك صلاحيّة المنع، بل يقوم دورها على درس موضوع الأفلام وتقديم توصية بالمنع، والقرار بالمنع يعود لوزير الداخلية وحده”.
وقد أثار استمرار عرض الفيلم في صالات السينما استياء في أوساط المقاطعين خصوصًا أنّ القرار بالسماح بعرض فيلم مثل “كابتن أميركا” يضمّ ممثلة إسرائيلية تؤدّي شخصية إسرائيلية خارقة، يأتي في الوقت الذي شهد لبنان حربًا إسرائيلية مدمّرة ولا يزال يتعرّض فيه لاعتداءات إسرائيلية يومية، وفي الوقت الذي تشهد غزة حرب إبادة مستمرّة منذ أكثر من سنة ونصف السنة.
بطلة خارقة إسرائيلية تجسّدها ممثلة إسرائيلية
وسلسلة أفلام “كابتن أميركا” انطلقت عام 2011 وتتألّف حتى الآن من سبعة أفلام آخرها “عالم جديد شجاع” الذي تؤدي فيه الممثلة الإسرائيلية شيرا هاوس دور الشخصية الخارقة “صبرا” التي تعمل في الفيلم لصالح الحكومة الأميركية. و”صبرا” هي في الأساس شخصية تظهر في قصص “مارفل” الكارتونية الأصلية التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وهي شخصية إسرائيلية ذات قوة خارقة تعمل لصالح الموساد، ترتدي زيًا باللونين الأزرق والأبيض، وهما لونا العلم الإسرائيلي، واسمها مشتقّ من نبات الصبّار.
وقد أضيفت شخصية “صبرا” مؤخرًا إلى سلسلة “كابتن أميركا” بعد أن حوّل منتجو الفيلم هذه الشخصية إلى عميلة لصالح الحكومة الأميركية، وليس الموساد للتخفيف من ارتباط الشخصية بإسرائيل، بعد تظاهرات في هوليوود واعتراضات تبعت الإعلان عن انضمام الشخصية إلى السلسلة.
وقالت حملة مقاطعة “إسرائيل” في لبنان في بيان إنّها بعد علمها بنيّة عرض فيلم “كابتن أميركا” الجديد في لبنان، تواصلت مع مكتب المقاطعة ولم يطل الانتظار حتى أكّد لها المكتب في 20 شباط الماضي منع عرض الفيلم في دور السينما اللبنانية.
إلّا أنّ الحملة فوجئت في 11 آذار الجاري ببعض المتابعين يؤكدون لها أنّ الفيلم موجود في صالات السينما حيث يتم عرضه وهو ما تأكّدت منه “المفكرة”. والصالات هي: Vox Cinema وGrand Cinemas، وBeirut Souks Cinemacity.
وسألت الحملة في بيانها عن الجهة الرسمية التي سمحت بالعرض، أو تغاضت عنه، مشدّدة على أنّها “مخالفة صريحة لقانون المقاطعة”، وأملت أن يكون أي قرار محتمل بالسماح بعرض الفيلم “مجرّد قرار متسرّع لا خطوة أولى في سياسة جديدة تسعى لتغيير جوهر قانون المقاطعة وتمضي نحو التطبيع مع العدو الإسرائيلي”.
لبنان منع سابقًا أفلامًا مماثلة
تقول رجاء جعفر عضو حملة المقاطعة لـ “المفكرة”: “نجحنا خلال سنوات، بما يخصّ المقاطعة الفنية، في منع الكثير من الأفلام. حملات المقاطعة كان يصل صداها إلى الدول العربية وتثير ضجة إعلامية يتمّ على إثرها منع عرض بعض الأفلام”.
وتضيف: “منعنا فيلم wonder woman وأفلام غال غادوت الممثلة الإسرائيلية التي خدمت في الجيش الإسرائيلي، وبمساندة حملات المقاطعة تمكنّا من منع أفلامها في كل الدول العربية وآخرها كان فيلم في العام 2022. وقبلها فيلم الصدمة لزياد دويري عام 2013 الذي صوّرت مشاهد منه في تل أبيب، وفيلم we die young لمخرج إسرائيلي، وفيلم black lotus في 2022 شاركت فيه ممثلة إسرائيلية. وطبعًا طالبنا مقاطعة الكثير من الأفلام وجميع أفلام المخرج الأميركي الإسرائيلي ستيفن سبيلبرغ الذي تبرّع بمليون دولار لإسرائيل خلال عدوانها على غزة”.
وذكّرت ببيان لوزارة الاقتصاد صدر في 20 أيار 2017، خلال الحملة ضدّ فيلم غال غادوت في تلك الفترة Wonder Woman والذي يظهر الجهد الذي كانت الوزارة تبذله ضدّ الأفلام المطبّعة. وتستعرض الوزارة في البيان الإجراءات التي اتخذتها وفي طور اتخاذها لضمان عدم عرض أفلام غادوت ليس فقط في لبنان بل في سورية أيضًا.
وتستغرب كيف مُنعت أفلام غال غادوت وغيرها سابقًا بناء على المعايير نفسها التي لم تؤخذ في الاعتبار اليوم مع فيلم “كابتن أميركا” الجديد.
وتعرب عن خشيتها من أن يفتح السماح لهذا الفيلم الباب أمام السماح بعرض فيلم غادوت الجديد والتي سبق منع أفلامها في لبنان، وربما السماح بعرض أفلام أخرى أيضًا.
وتطالب بتوضيحات حول أسباب السماح بعرض فيلم “كابتن أميركا”، رغم أنّه ينطبق عليه معيار أساسي للمقاطعة وهو وجود ممثلة إسرائيلية فيه، مع ما يعنيه ذلك من مخالفة لقانون مقاطعة إسرائيل، الصادر في 23/6/1955، الذي يحظر أيّ تعامل مع أشخاص إسرائيليين.
وفي هذا السياق، تدعو رجاء إلى ورشة مراجعة لقانون المقاطعة الذي يعود إلى الخمسينيات، فـ “الظروف حينها كانت تختلف كثيرًا عن الظروف اليوم، وحينها لم يكن العرب يعتقدون أنّ إسرائيل ستبقى حتى يومنا هذا، ولم يكن هناك إنترنت ولا سوشل ميديا، وبالتالي فالقانون يحتاج إلى أن يأخذ في الاعتبار التغييرات التي طرأت على الكثير من الجوانب سواء السياسية والاجتماعية والثقافية والتقنية وغيرها”.
يلحظ أنّ قانون المقاطعة الصادر في 1955 “يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في اسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها او لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيًا كانت طبيعتُه”. وإذ يُفهم من ذلك أنّ التّعامل المقصود هو إبرام عقود هي بطبيعتها اقتصاديّة، يثور سؤالٌ إذا كان عرض الفيلم يدخل ضمن هذا المنع بفعل وجود ممثلة إسرائيلية في الفيلم من دون أن يكون الفيلم منتجًا إسرائيليًّا ومن دون أن يكون هنالك إثبات أنّ الممثلة تستفيد من العائدات المالية للفيلم.
وهذا هو السؤال الذي طرحناه على المحامي والعضو السابق في لجنة مراقبة الأفلام أنطوان زخيا. وبعدما أكد هذا الأخير أنّ ثبوت أيّ مخالفة لقانون مقاطعة إسرائيل تستوجِب حكمًا منع الفيلم من دون أيّ هامش للتقدير، أضاف إلى ذلك سندًا آخر مستمدًّا من قانون إخضاع جميع الأشرطة السينمائية للمراقبة الصادر في تاريخ 27/11/1947 الذي نصّ صمن مبادئ الرقابة مبدأ “مقاومة لكل دعاوة (دعاية) غير مؤاتية لمصلحة لبنان”.
كما ذكّر زخيا بمشاركة لبنان في المؤتمر الـ 96 لضباط اتصال المكاتب الإقليمية للمقاطعة العربية لإسرائيل في مقرّ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في 2/7/2024 والذي تضمّن جدول أعماله “موضوعات متعلّقة بمبادئ وأحكام المقاطعة العربية المقرّرة، من خلال تطبيق الحظر وإدراج شركات على لائحة المقاطعة، وإنذار أو رفع شركات أخرى من لائحة الحظر لاستجابتها لأحكام المقاطعة، والتركيز على استمرار تفعيل مكاتب المقاطعة الإقليمية بالدول العربية وتعزيز التنسيق والتعاون والتبادل فيما بينها، نظرًا لأهمية دور المقاطعة في كشف الشركات والمؤسسات الضالعة الداعمة والمتعاونة مع النظام الاستعماري ونظام الفصل العنصري وما يرتكبه من جرائم في الأرض الفلسطينية المحتلة”. وأضاف أنّ المؤتمر ناقش أيضًا “بندًا خاصًا بحركة المُقاطعة الدوليّة لإسرائيل (BDS)، من خلال رصد أنشطتها وإنجازاتها، والتي تعبّر عن تضامن شعوب العالم مع الشعب الفلسطينيّ وما يتعرّض له من حرب وإبادة جماعيّة”.