فرح أبي مرشد
بما أنّ المقاطعة تعبّر عن سلوك تعبيري ديمقراطي يسلكه الفرد أو تتبعه الجماعات للتعبير عن الرفض والإستياء إعتراضاً على شركة أو شخص أو نظام، فقد سلك البعض في لبنان هذا المسار رفضاً واستياءً واعتراضاً على “إسرائيل” وداعميها، وأسّسوا “حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان”.
الحملة التي تهدف إلى تمكين الشريحة الأكبر من المجتمع العربي في الإسهام بدعم القضية الفلسطينية والمقاومة العربية بسبل مؤثّرة وأكثر فاعلية، والتخفيف من الدعم المادي والمعنوي لكيان العدو وكلّ ما يساهم في جعله بلداً مرغوباً للهجرة، الإستثمار، العمل والسياحة، أو قبلة للفن والحضارة، عقدت أمس مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة في بيروت، حضره عدد من الناشطين في مجال المقاطعة، وبعض النواب الحاليين والسابقين، إضافة إلى الوزير السابق شربل نحاس، ووفد من الحملة الدولية للإفراج عن المناضل الأسير جورج عبد الله. نقيب الصحافة محمد بعلبكي إفتتح المؤتمر، معتبراً أنّ الحملة تنعش الأمل الذي كاد أن ينطفىء بظل الظروف الحالية، وتوجّه إلى المسؤولين اللبنانيين داعياً إياهم إلى أن لا يهدروا الوقت بصغائر الأمور.
وإذ حذّر بعلبكي من خطر العدو المحدق بنا جميعاً، لفت إلى وجود عملاء إسرائليين في لبنان، مثنياً على جهود الحملة في هذا الإطار. بدوره، أعلن الناطق باسم الحملة سماح إدريس عن وثيقة نظرية تتضمن 16 سؤالاً من الأسئلة المتداولة محلياً وعربياً، إضافة إلى إجابات مقترحة قدّمها أربعة من الرفاق في الحملة هم عبد الملك سكرية، سحر بلوط، رباح شحرور، ورجاء جعفر، وقد تولوا تقديم الأسئلة مرفقة بعرض للأمثلة على شاشة كبيرة. البداية كانت مع تاريخ الحملة التي انطلقت عقب مجازر جنين ربيع العام 2002، حيث أوضح سكرية أنّها أول مقاطعة شعبية عربية تعتمد المعلومات الموثّقة لفضح تواطؤ شركات معينة مع الكيان الصهيوني، مشيراً إلى وجود شركات إسرائيلية التصنيع تدخل لبنان أمثال “سينيروم و لومينوس”. وبالإنتقال إلى أهداف الحملة، فقد أكد سكرية أّنّ الهدف من المقاطعة ليس مقاطعة بلاد أو جنسيات أو أديان باستثناء الكيان الصهيوني وحاملي جنسيته من غير الفلسطينيين العرب، لافتاً إلى أنّ مقاطعة الشركات لا تكون بهدف المقاطعة بل لتوجيه رسالة إحتجاج، والضغط عليها لتوقف تواطؤها مع الإنتهاكات الصهيونية للقانون الدولي وحقوق الانسان.
شملت الحملة مقاطعة الفرق الفنية العالمية المتعاملة مع الكيان الصهيوني أيضاً، لأنّ باستطاعة الفنانين الداعمين للعدو الترويج بفعالية، كما أنّ قدرتهم على النشر تفوق قدرة الأناس العاديين، بحسب ما أوضح سكرية، لافتاً إلى أنّ كل ذكر لكلمة “إسرائيل” في أدبياتنا يضيف إليها الشرعية.
وإذ اعتبر أنّ المقاومة لا تقتصر على المقاومة أو النضال المسلّح فقط، بل يجب أن تترافق مع المقاطعة بهدف مضاعفة الجهد والنتيجة، تحدّث سكرية عن تميّز عمل الحملة باعتبار أنّه يقوم على المتابعة وملاحقة المستجدات، وإصدار ملحق دوري بالشركات المقترح مقاطعتها، وبالأسباب الموجبة، إضافة الى التوثيق الدقيق والعلمي للمعلومات معتمدة على مصادر عدة منها، مواقع الشركات نفسها، الدورات الغربية، الوكالات الأجنبية، الجرائد الإسرائيلية والعربية، وحملات المقاطعة في العالم، خاصة المواقع التالية:
www.bdsmovement.net
www.boycottisraelnetwork.net
www.bdsarabic.net
www.pacbi.org
ولفتت الوثيقة إلى أنّ الحملة تشجّع على دعم الإنتاج المحلي غير الداعم للعدو باعتبار أنّ الشركات الإستهلاكية تغيّر سياساتها بمجرد إنخفاض أرباحها، أو عندما يتعرّض إستثمارها لأي خطر يهدّد أرباحها، كما تطرقت الى معايير دعم الشركات لـ “إسرائيل”، و منها بناء مصانع ومراكز بحث وتطوير في أراض تمّ “تطهيرها” من الفلسطينيين، وأعطت مثالاً عن شركة كوكا كولا التي وقعّت عام 2002 إتفاقاً مع حكومة العدو لإفتتاح مصنع في مستعمرة “كريات غات” المقامة على قريتي الفلوجة وعراق المنشية الفلسطينيتين، وشركة نستلة التي بنت أبرز موقع لها في مستعمرة “سديروت”، أي بلدة النجد الفلسطينية، تلك البلدة التي تعرّضت للتطهير العرقي عام 1948.
وضمنّت الوثيقة معيار شراء شركات إسرائيلية أو أسهم، وهو الفعل الذي يضخّ المال في حسابات المصارف الاسرائيلية، ويرفع من قيمتها الشرائية في البورصة العالمية، إضافة الى المساهمة في توزيعها والدعاية لها، وتقديم الدعم المالي المباشر للجمعيات “الخيرية الصهيونية”، والإسهام، ولو عن غير قصد، في الحرب المباشرة على شعبنا الفلسطيني والعربي. أضف إلى ذلك الشركات التي تدعم النشاطات “الفنية الرياضية الثقافية والتربوية الصهيونية”، والتي تعبّر علناً عن دعمها لجيش العدو وحكومته أو تروّج للصهيونية.
الحملة دعت لـ”مقاطعة الأسوء قبل السيء”، و”ما نستطيع إليه سبيلاً”، مشددة على توفّر البدائل خاصة في ما يتعلق بالسلع الإستهلاكية، كما حثّت على ضرورة خلق وعي شعبي، وتعزيز القناعة الأخلاقية والمبدئية بالمقاطعة، داعية الجميع الى البحث والتفتيش عن الشركات والجهات الموجب مقاطعتها.
ورداً على وجهة النظر القائلة بأنّ الأذية ممكن أن تلحق بالموظفين والعاملين المحليين في الشركات المدرجة على لائحة المقاطعة، أوضحت الحملة أنّ عدد المستفيدين أقل بكثير من عدد المتضررين بالتهجير، وتدمير الممتلكات، والإعاقة البدنية، والقتل والتمييز العنصري، مشدّدة على الدافع الوطني والأخلاقي الذي يبقى الأساس.الفنّ أيضاً كان له نصيب في المؤتمر، فقد أشارت الحملة إلى أنّ قيام الفرق الفنية العالمية بتقديم العروض داخل الكيان يسهم في تغطية جرائمه ممهداً الطريق لعملية تطبيع تلك الجرائم في العقول، ويزيد من إعتبار الكيان الصهيوني قبلةً للثقافة والحضارة، بالإضافة إلى ازدياد أرباح قطاع السياحة. فمقاطعة عروض الممثل الكوميدي جاد المالح في مهرجانات بيت الدين كانت نتيجةً لتصريحه أنّ “إسرائيل مجتمع صحي”، وتعاطفه مع الجندي جلعاد شاليط، في الوقت الذي أغفل فيه معاناة الآلاف من الأسرى العرب داخل سجون الإحتلال. إلّا أنّ الحملة رفعت سقف المواجهة مع لارا فابيان لأنّها غنت في الذكرى الستين لتأسيس ما يسمى بـ”إسرائيل”، وتلقت جائزة من مؤسسة صهيونية بلجيكية، وقالت “أنا أحب اسرائيل”.كما تناول المؤتمر إستراتيجية المقاطعة الفنية المماثلة لحركة بي دي اس العالمية، حيث راسلت الحملة الفنانين العالميين أمثال فابيان، وحثّتهم على الإمتناع عن تقديم العروض في الكيان الغاصب بسبب إحتلاله وعنصريته. وأوعزت الوثيقة الى وجوب المقاطعة “الأكاديمية والثقافية والطبية الإسرائيلية”، إذ إنّ هذه المؤسسات ضالعة في قمع الشعب الفلسطيني عبر ترويجها لرواياتٍ كاذبة عن “الديمقراطية الإسرائيلية”، والإسهام المباشر في المشاريع العنصرية، وتزويد المحاكم العسكرية بخريجي القانون من الجامعات الإسرائيلية، وإشراف الأطباء الإسرائيلين على تعذيب الفلسطينيين. الوثيقة دعت أيضًا إلى مقاطعة المؤتمرات العالمية التي تضم أكاديميين أو علماء إسرائليين.
أمّا فيما يتعلق بوصف مقاطعة “إسرائيل” إرهاباً ثقافياً، فقد شدّدت الوثيقة على أنّ “إسرائيل” هيَ التي تمارس الإرهاب الثقافي بقتلها الأساتذة والطلاب أو إعتقالهم، وإغلاقها الجامعات والمدارس، بالإضافة إلى منعها عقد المؤتمرات المناهضة لسياساتها، فـ”المقاطعة وسيلة مدنية توعوية تكفلها الدساتير، ومقاطعة الفنان الذي يعرض في “إسرائيل” هي تعبير عن رفضنا لدعمه للظلم”. وذكّرت الوثيقة بالموقف التاريخي المبدئي للكنيسة القبطية في مصر التي تفرض مقاطعة شاملة على زيارة الكيان الغاصب.
لعلّنا لا نستطيع حمل السلاح والوقوف على الجبهات لمحاربة عدونا الأول والأوحد “إسرائيل”، لكننا بالتأكيد نقدر، بل يجب علينا مقاطعة الكيان الغاصب باعتبارها شكلاً من أشكال المقاومة المدنية اللّاعنفية، وسلوكاً علينا التزامه بما فيه من صون للحرية والحق في المواجهة ورفض الظلم والإلغاء.
تحية للمناضلين في صفوف الحملة و إلى نضالهم الذي هو فخر ووسام لأحرار العالم.
SlabNews – آذار 2013