سماح إدريس اسم معروف على أكثر من مستوى، ثقافي واجتماعي وسياسي… فهو ناقد أدبي وثقافي، وكاتب للأطفال، ورئيس تحرير مجلة الآداب، ومؤلف معجميّ، وهو عضو مؤسّس في حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان وفي العالم.
تواصل أون لاين أجرت معه هذا الحوار في دار الآداب.
تواصل أون لاين: ما هو التوجّه العام لمحاربة التطبيع؟ وهل تتّبعون استراتيجية معيّنة لهذه المحاربة؟
مقاومة التطبيع هو أحد تكتيكات عزل إسرائيل. هذا هو المبدأ العام لمقاومة التطبيع أو للمقاطعة. وهو يسترشد بتوجّهين عامّين: التوجّه الأول هو الذي أطلقناه بداية عام 2002 عبر “حملة مقاطعة داعمي إسرائيل ـــــ لبنان”، وركّز على الشركات الداعمة للعدو من خلال استثماراتها أو بنائها مصانع ومراكز “أبحاث وتطوير” هناك… أو غير ذلك.
التوجّه الثاني هو السير مع حملة عالمية بدأتْ عام 2005 إثر نداء وجّهه المجتمعُ المدني الفلسطيني نتيجةً لتضافر جهود مئات المنظّمات الأهلية الفلسطينية. اسم هذه الحملة اليوم حملة BDS =boycott,divestment and imposing sanctions وهي تعني “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل”. هذه الحملة العالمية، التي يقدّر عدد أعضائها اليوم بين 100 و150 ألفاً في شتى أنحاء العالم، تتوخّى السبيل الحقوقي، بمعنى سبيل الضغط الأخلاقي على الفنانين والأكاديميّين والنقابيّين والمستثمرين من أجل حثّهم على عزل إسرائيل عبر سحب الاستثمارات منها أو عدم إحياء حفلات أو المشاركة في مؤتمرات هناك…
نحن إذن الآن نسير وفق الاستراتيجيّتين: استراتيجية محلّية بدأناها عام 2002 والقاضية بمقاطعة الشركات الداعمة لـ “إسرائيل”، واستراتيجية الـ BDS العالمية القاضية بالضغط الاخلاقي على من يدعمها لكفّ دعمه.
تواصل أون لاين: موضوع يطرح نفسه مؤخراً… وهو موضوع لارا فابيان وما رافقها من حملة وحملة مضادّة.. ما هي المعايير المعتمدة في حملتكم؟ هل لها معايير ثابتة أم إنّ هناك لكلّ حالة معايير محدّدة؟
الأمران معاً. أيّ شخص يحْيي حفلاً أو يشارك في نشاط سياحيّ أو اقتصاديّ أو أكاديميّ في دولة الكيان الغاصب، يتجاهل ما يقترفه هذا الكيانُ من جرائم. هذا هو المبدأ الأول. مثلاً، لنفترض أنّ هناك حفلاً يقيمه مجرمٌ ما في قصره ولكنْ داخل هذا القصر هناك قاعة يقام فيها حفلٌ موسيقيّ. لا يستطيع المرء أن يذهب إلى هذا الحفل الموسيقي في تلك القاعة داخل هذا القصر متجاهلاً هويّة صاحب هذا القصر، لأنّ ذلك بمثابة تجاهل للجرائم التي يرتكبها! إذاً، أيّ إحياء لنشاط في هذا الكيان هو تغافلٌ وتجاهلٌ ومحاولةٌ لطمس الجرائم التي يقترفها هذا النظام.
يضاف إلى ذلك أنّ أيّ نشاط سياحي هناك يعزّز العجلة الاقتصادية في هذا البلد. فلنأخذ مثلاً الفرقة البريطانية بلاسيبو التي دعونا إلى مقاطعتها عندما أتت إلى لبنان لأنها أحيت حفلاً في تل أبيب حضره 7 آلاف متفرج. إذا اعتبرنا أن المعدل الوسطي لسعر البطاقة هو 50$، فسيكون المبلغ الكلي 350 ألف $، وسيذهب جزء منه إلى المنظّم الإسرائيلي، والجزء الآخر إلى الفرقة. المنظّم في هذه الحالة انتعشتْ حركته، وأيضاً انتعشت حركة أخرى: هي حركة الفنادق والمطاعم وتذاكر السّفر إلى هذه المنطقة. وبذلك يكون كلّ من أحيا حفلاً هناك قد أسهم في تقوية الحركة السياحية.
تواصل أون لاين: في هذا الموضوع.. ماذا تردّون على الذين يقولون بأنّكم تضخمون الأمور وتعمّمون بعض الحالات الخاصّة على الحياة بشكل عام؟
هذا ما كنتُ أودّ أن أوضحه، عزيزي. إنّ مَن يذهب ويحْيي حفلاً في “إسرائيل” نطالب بمقاطعته فعلاً، إذا لم يستجب لرسائلنا التي تطالبه بالامتناع عن ذلك لكون إسرائيل فعلتْ كذا وكذا في فلسطين ولبنان والجولان… ولكنْ هناك حالات متطرّفة أخرى تستدعي نبرةً أعلى؛ والمثال الأصرخ هو مثال لارا فابيان:
فهي لم تكتفِ بأن أحيت حفلاً في تل أبيب في 28 آذار 2010 ، بل كانت قبل ذلك (في 25/5/2008) قد غنّت في الحفل التأسيسي الستيني لدولة إسرائيل في تروكاديرو بباريس، وهو حفل أقامه اللوبي الإسرائيلي، ونظّمه خطيبُها الصهيوني (ولا نقول اليهودي لأنه لا يعنينا دينُ الإنسان). والقصيدة التي غنّتها فابيان بالعبرية تنتمي إلى الإرث الاستيطاني، نَظَمَتْها الشاعرة الصهيونية نعومي شيمر، وهي تتحدّث عن خمسين عاماً من الاستيطان، من سنة 1913 إلى سنة 1963. وفي نهاية هذا الحفل تقول فابيان بالعبرية أيضاً: “أنا أحبّكِ يا إسرائيل!”
يُضاف إلى ذلك، كما ذكرنا في تقاريرنا المتعدّدة، أنّها كُرّمتْ من سيركل بن غوريون، وهي منظمة صهيونية أساسية في بلجيكا، ونالت وسام نجمة داوود الذهبية.
هذه الحقائق لا يمكن التنصّلُ منها، وقد ضممناها في رسالتنا إلى لارا فابيان، فلم تستطع أن تنكر أيّاً منها، بل اتّهمتنا بالإرهاب!
إذن، في مثل هذه الحالة المتطرفة من تأييد الصهيونية، لا ينفع أن تطلب من الفنان أن يأتي إلى لبنان “لنتناقش ونتحاور” كما طالبنا البعض. نعم، كلّ من يقيم حفلاً في الكيان الغاصب مدان كما ذكرنا لأنه يخدم الاحتلال معنوياً ومادياً. لكن هناك من يخدمه عن سذاجةٍ وجهلٍ وهبلٍ وأنانيةٍ ورغبةٍ في الربح والشهرة، وهناك من يدعمه بالموقف الصهيوني الواضح والصريح. التعامل مع النوع الأول قد لا يستدعي أكثر من رسالة للفنان تبيّن “خطأه” وتدعوه إلى أن لا يقيم حفلات أخرى في كيانٍ قتل وهجّر شعبنا، وإلا قاطعناه. أما التعامل مع النوع الثاني فهو بالمقاطعة الحاسمة لا غير، والتشهير بمواقفه أمام الجمهور.
تواصل أون لاين: بكلمة… هل تجزم بأنّها لن تأتي؟
طبعاً لن تأتي. وهي أعلنتْ ذلك برسالة واضحة إلى كازينو لبنان. وكازينو لبنان قال إنّها لن تأتي. و”فيرجين ميغا ستور” الذي يقوم ببيع بطاقاتها يقوم الآن بردّ ثمن البطاقات إلى أصحابها. ولكن الأمر السيّئ الآن هو أنّه بعد أن تراجعت السيدة الصهيونية عن حفلتيها في الكازينو، وبعد أن قام الفيرجين بردّ ثمن البطاقات، ستقوم محطة “أم تي في” التلفزيونية و”نوستالجي” الإذاعية بعرض حفلتها في 14 شباط! بكلام آخر، في حين تراجعتْ جميع الجهات الداعية، تقوم هاتان المحطتان بعرض الحفل. الجدير ذكره أن أم. تي. في. عنصرية حتى النخاع في عدائها للفلسطينيين والعاملات الأجنبيات في لبنان (على ما كشف برنامج “كتير سلبي”). والجدير ذكره أيضاً أنّ صاحب المحطنين، السيّد جهاد المرّ، سبق قبل شهور أن رفع دعوى ضدّ المقاطعة وأنصارها في لبنان والعالم وطالبنا بمبلغ 180 ألف دولار تعويضاً من خسائره (المزعومة) جرّاء دعوتنا سنة 2010 إلى مقاطعة فريق موسيقي داعم لإسرائيل كان المرّ قد استقدمه.
تواصل أون لاين: للتطبيع أوجه ثقافيّة وإعلامية، وهناك للأسف بعض الأرض الخصبة في لبنان… هل هناك خطط لمحاربة هذا التطبيع المموّه؟ وهل هناك رصد لمثل هذه الحالات؟
نحن كما قلت، منذ العام 2002 نعمل على المقاطعة، ولكننا كنا نركّز على الشركات والسلع الداعمة للعدو الإسرائيلي مثل نستلة وكاتربيلر وكوكا كولا وغيرها…
لكنْ منذ عام 2009 توجّهنا أكثر نحو الفنانين. لماذا؟ لأنّ الفنّان قادر على إيصال رسالة أقوى مما قد يفعل ذلك أيُّ فرد عادي. فبدأنا بمقاطعة دي جي تييستو، ودايان كرول، وبلاسيبو، وصولاً إلى لارا فابيان الآن…
الشهر القادم لدينا مفاجأة جديدة، ستسمعون عنها قريباً.
الأهم الآن أنّنا التقينا بالكثير من الفعاليات الرسميّة وغير الرسميّة في لبنان. اتصلنا بوزير الثقافة، ومدير عام وزارة الثقافة، ووزير العمل، ووزير الداخلية، وطلبنا مقابلة وزير السياحة ولكن “ليس لديه وقت” طبعاً (!). والتقينا بالسيدة نورا جنبلاط، مديرة مهرجانات بيت الدين، وبفريق عملها. وسنقابل مدراء مهرجانات بعلبك وجبيل والكسليك وصور وكلّ المهرجانات الباقية؛ فنحن نريد أن نرصد الفنانين والفرق القادمة إلى لبنان. اعتبِرونا، يا أخي، مكتب مخابرات! هذا لن يسيء إلينا البتة، إذا كان يصون كرامة شعبنا ويحترم نضالاته وتضحياته! وفي النهاية، عندما لا تقوم الدولة بواجباتها، يقوم الناس بتحمّل هذه المسؤولية… تماماً كما تقوم المقاومة بحمل السلاح وحماية الوطن عندما لا تضطلع الدولة بهذا الواجب.
تواصل أون لاين: هل هنالك محاولات لخلق تيار مقاوم، أم أنّها ستبقى محاولات فرديّة إن صحّ التعبير بأّنها فردية؟
نحن في الحملة نعتقد أنّه كلما صغّرنا حجرنا وتوجّهنا به نحو هدف معيّن على طريق تحقيق الأهداف الأخرى، فسيكون ذلك أجدى نفعاً من أن نحْمل شعارات ضخمة من دون أن نستطيع أن نحقّق أيّ شيء!
إن النجاح الذي حقّقناه ضدّ فابيان نجاح صغير فعلاً، لكنّه ذو أثر كبير لأنّه سيكون المنصّة التي نقفز من خلالها إلى مجالات أبعد. أعتقد أنّ هذا أهم من أن نقول نحن نريد أن نقاطع إسرائيل ثم لا نفعل شيئاً مخصوصاً ولو صغيراً على هذا الدرب.
نحن في عملنا نعتمد مبدأين:
الأول: “قاطعْ ما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً”. لنقل إني مريض على فراش الموت، وهناك مصْلٌ معلّقٌ في يدي من شركة داعمة لإسرائيل، فهل أفكّ المصْلَ من يدي وأموت؟ سيكون ذلك سذاجة وغباءً. أما في حالات أخرى، وحيث ثمة بدائل، فإننا ندعو الناس الى مقاطعة الشركات الداعمة للعدو، واللجوء إلى تلك البدائل.
المبدأ الثاني: “قاطع الأسوأ قبل السيّئ”. مثلاً، لديّ 3 فرق داعمة لإسرائيل، وكلّ واحدة تدعمها بطريقة ما: الأولى تدعمها عبر إحياء حفل فيها؛ والثانية عبر إحياء حفل فيها وإعلان موقف سياسي داعم لها أيضاً؛ والثالثة تزيد على الموقفين إدانةً للمقاومة أو دعماً مالياً لمؤسسة إسرائيلية. في هذه الحالة، ولأنني لا أملك إمكانيات كبيرة لمواجهة الفرق الثلاث بالدعاية والاعتصام والكتابة والاتصالات، فإني أركّز على الأسوأ، أيْ على الفرقة الثالثة، مع تحذيري من الفرقتين الأولى والثانية.
تواصل أون لاين: هل يُعمل على أنشطة تجمع المناهضين ،كلقاءات ومؤتمرات وندوات؟
نعم… نحن قمنا منذ عدّة أعوام بمؤتمر جمعنا فيه ممثّلين عن مختلف حركات المقاطعة في العالم العربي. والآن نفكر في إقامة مؤتمر كبير للمقاطعة في بيروت، نجمع فيه نشطاء مقاطعة إسرائيل في العالم ــــــــ وعلى رأسهم رفاقنا في جنوب أفريقيا الذين لديهم باعٌ طويلة في مقاطعة النظام العنصري هناك، وهم يقاطعون الكيان الصهيوني الآن لأنهم يعتبرونه قمّة التمييز العنصري. كما أننا بدأنا الخطوات الأولى في دعوة فنانين قاطعوا الكيان الصهيوني لإحياء حفلات في لبنان تحت راية “حملة مقاطعة داعمي إسرائيل ــــ لبنان”.
تواصل أون لاين: هي حملة مضادة إذاً؟؟
نعم. نحن نعتقد أنّ إسرائيل اليوم لم تعد “قِبلة الحضارة”، ولا المحطة الفاصلة التي على أيّة فرقة عالمية أن تمرّ بها قبل أن تأتي إلى بقية “الشرق الأوسط”. الآن نحاول أن “نوجّه” مسار الفنانين، فنقول لهم إذا ذهبتم إلى تل أبيب فأنتم ستخسرون لبنان والأردن ومصر أو اسطنبول واليونان!
تواصل أون لاين: هل يوجد لدينا في لبنان أو حتى خارج لبنان وسائل إعلامية توضح مخاطر التطبيع وأطماعه؟؟
للأسف لا. وسائل إعلام المقاومة متجاوبة أكثر بكثير من أيّ إعلام آخر: مثلاً صوت الشعب، وراديو البشائر، وتلفزيون المنار، وإذاعة النور، وموقع الانتقاد، وموقع المنار الالكتروني، والآن موقعكم (تواصل أونلاين). وفي المقابل، هناك تيار إعلامي “حضاروي” وعنصري، ولا يعنيه شيء من أمر المقاومة، بل هو يناصبنا العداءَ بشكل فاضح.
تواصل أون لاين: هل تجدون لدى الناس تعاطفاً وتجاوباً؟ كيف هو تعامل المجتمع معكم؟
المجتمع اللبناني منقسم تجاه سلاح المقاومة، وتجاه النظام السوري… وتجاه المقاطعة أيضاً. نحن نحاول أن نقول للناس: أياًّ كان موقفكم من النظام السوري، أو القطري، أو الغواتيمالي، فلتحيّدوا إسرائيل! لا يجوز أن يكون الكيان الغاصب موازياً لأيّة دولة أخرى، ولا أن يكون نقطة خلاف في سجالاتكم الجدية أو السخيفة. وقد لفتني في برنامج “للنشر” مع طوني خليفة على تلفزيون الجديد أنّ النائب عمّار حوري (من تيار المستقبل) قال: “أنا لديّ عدوّ واحد، وهو إسرائيل وبالتالي أنا لا أقبل بأيّ تواصل معها”. أتطلّع إلى أن تصبح مقاطعة إسرائيل شيئاً مشتركاً لدى الجميع. ولكني أعلم أنه سيكون من السذاجة بمكان أن أتوقّع أن يكون العنصريّ، ومَن مدّ يده إلى إسرائيل، ومَن تدرّب في إسرائيل، ومَن قاتل إلى جانب إسرائيل، معي اليوم في خندق مقاطعتها!
تواصل أون لاين: تقصد أنّ الابتعاد عن المقاطعة، لدى البعض، قد لا يكون كرهاً بالمقاطعة في ذاتها، بل “نكاية” ببعض الأمور الأخرى؟
إلى حدّ ما. وإلا، فلماذا كلّما أرادوا أن يهاجموا حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” يلصقون بها تهماً يعرفون جيداً أنْ لا علاقة لها بها من قريب أو بعيد؟ يقولون إننا نأخذ الإرشادات من الحرس الثوري الإيراني، وإننا أتباع الخامنئي، وإننا من “أصحاب القمصان السود”، وهم أنفسهم يعلمون أنْ ليس فينا واحد ينتمي إلى حزب الله، وكثيرون منا علمانيو التوجّه! هم يهاجموننا ويعلمون أنهم يكذبون، ولكنّهم لا يستطيعون أن يردّوا على الحجّة بالحجة.
تواصل أون لاين: لو عدنا إلى بداية المقابلة والخسائر التي تكبّدها المنظّمون، هل تعتقد أنّ دافع حفل فابيان اقتصادي محض؟
قد يكون الدافع اقتصادياً محضاً، ولكنّ هذا لا يقلّل من حجم الخطيئة. فعندما يقدِّم منظّمٌ أو متعهّدٌ ما مصلحتَه المادية على المصلحة الوطنية متذرّعاً بـ “الحضارة” و”السياحة” و”الانفتاح على العالم”، فإنّه لا يختلف عن المطبِّع لأنهما كليهما يصلان إلى الأهداف السياسية نفسها: طمس جرائم الاحتلال.
أنا لا أعتقد أنّ كلّ المتعهّدين أو المنظّمين ذوو أهداف سياسية مباشرة بالضرورة، ولكن قد يكون للبعض استهتار بأثر الفن في السياسة. إنّ أيّ شخص يريد أن يشارك في الحملة العالمية لعزل إسرائيل لن “يخطئ” كما أخطأ من أتى ببلاسيبو وآرمن فان بيورن (وكان ينوي أن يأتي بلارا فابيان). هناك عشرات الفنانين (كلاكسونز، غوريلاز، ديفيد غيلمور، رودجر ووترز، سانتانا، ألفيس كوستيلو، ناتاشا أطلس، فانيسا بارادي، سنوب دوغ، ماسيف أتاك، غيل سكوت هيرون،…) ألغوا حفلاتهم في الكيان الصهيوني أو جهروا بمقاطعتها له. وعندما تجد متعهدين لبنانيين تقصّدوا أن يتجاهلوا كلّ الفنانين السابقين ليأتوا بفنانين جهروا بدعمهم للصهيونية، فلا بد أن تتوقف قليلاً لتطرح الأسئلة!
تواصل أون لاين: ما هي أهمّ الإنجازات التي حقّقتموها؟ ولماذا لا يكون هناك إعلان أكثر لإظهار هذه الإنجازات؟
الشق الأخير من هذا السؤال يجب أن يوجّه إلى وسائل الإعلام. لماذا الإعلام المحسوب على المقاومة، أو إعلام المقاومة نفسه، لا يخصّص برنامجاً أسبوعياً للمقاطعة؟ لماذا لا يكرّس عموداً أسبوعياً في وسائله المكتوبة؟ نحن أفراد نبذل قصارى جهدنا ضمن إمكاناتنا الشحيحة، في حين أنّ هناك وسائلَ أو أحزاباً أو تياراتٍ كثيرة تملك إمكانياتٍ ضخمة وتستطيع أن تكرّس ولو جزءاً ضئيلاً منها لخدمة المقاطعة.
أمّا أهمّ الإنجازات فهي بداية تكوين وعي عند الناس بأنّ إسرائيل لا يمكن أن تحارَبَ بالسلاح وحده. السلاح جزء أساسيّ ومهمّ جداً في عملية التحرير، ولكن الناس لا يستطيعون كلهم أن يقاتِلوا. المقاومة المسلحة محصورة بفئة صغيرة متفانية ومضحّية وجبّارة ومخلصة… في حين أنّ المقاطعة يمكن أن تشمل جمهوراً أوسع: من الأطفال إلى الكهول، فقراء وأغنياء، يساريين ومتدينين وليبراليين وقوميين، الخ. هؤلاء جميعهم يستطيعون أن يساهموا في المقاومة (بالمعنى الأشمل للكلمة) ولو بالامتناع عن شراء مشروب أو لعبة أو مسحوق غسيل داعم للعدو، أو الامتناع عن حضور حفل فنان داعم له.
تواصل أون لاين: هل هناك تواصل مع منظمات شبيهة في الوطن العربي والإسلامي، أي مع مؤسّسات المجتمع المدني؟
طبعاً، الاتصال الأساسي هو مع حملة المقاطعة العالمية (BDS) (أي: حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها). ولكنّ لدينا أيضاً اتصالات مع حملات المقاطعة في بلدان عربية (الأردن، مصر، سوريا،…).
تواصل أون لاين: ما هي الأمور التي تطلبونها من الدولة كدولة لبنانية؟؟
حملتنا في الأساس هي حملة شعبية، ونحن لا نتوقّع الكثير من الدولة، ونعرف أنّ الدولة تتراوح بين العجز والتظاهر بالعجز (التعاجز). لكننا نطالبها بالحدّ الأدنى، وهو العمل بقانون المقاطعة الصادر عام 1955…علماً أننا نطالب بأن يعدّل ويطوّر لكي يتخطّى التطبيع التجاري مع إسرائيل فيشمل التطبيع الثقافي والأكاديمي والفني وكلّ ما من شأنه تقديم دعاية لإسرائيل.
نحن لا نفهم مثلاً كيف يقوم الأمنُ العامّ اللبناني بإعطاء فيزا لـ لارا فابيان حين تكون لديه كلّ هذه المعطيات التي عرضناها في وسائل الإعلام. لا نفهم كيف يقوم كازينو لبنان بدعوتها وهو مؤسسة محسوبة جزئياً على الدولة (تملك الدولة 17% من أسهمه، وستذهب إليها كلُّ معدّاته والأرضُ التي شُيّد عليها بعد 25 عاماً).
هناك أمور أخرى ذات علاقة بالتربية. على المنهج التربوي أن يخصّص وقتًا لتعليم الأولاد شيئاً عن نشأة الكيان الغاصب وجرائمه وعنصريته وداعميه، وعن تاريخ القضية الفلسطينية! وقد يكون ذلك ضمن كتاب التاريخ، أو التربية المدنية، أو ضمن مادة اللغة العربية وآدابها.
تواصل أون لاين: كلمة أخيرة لبعض المسؤولين اللّبنانيين الذين تجدون تجاوباً عندهم وللشّعب اللبناني الذي يهتم بهذه الأمور؟
كما قلتُ، لسنا معوّلين كثيراً على الدولة، ولكننا لا نسقطها من حسابنا أبداً. على الدولة أن تضطلع بتعهداتها تجاه اعتبار إسرائيل عدواً للبنان على كلّ الصعد. فإسرائيل ما زالت تحتلّ أراضي في لبنان. وإسرائيل ما زالت تزرع أراضي الجنوب بملايين “القنيبلات” العنقودية التي تنفجر في أجساد أطفالنا ومزارعينا. وإسرائيل ما زالت تمنع حوالى 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان من العودة إلى أراضيهم وبيوتهم. وإسرائيل مازالت تستبيح سيادتنا أرضاً وبراَ وبحراً، وعن طريق العملاء وشبكات التجسس.
أما بالنسبة إلى شعبنا اللبناني، فعليه أولاً أن يدرك أن ّأيّ خطوةٍ ، ولو بسيطة، في مقاطعة إسرائيل، تُعتبر أساسية جداً، وستؤذي الكيان الصهيوني، وإلا لما كانت إسرائيل تُعِدّ الآن قانوناً لمعاقبة أنصار المقاطعة. وعلى شعبنا، ثانياً، أن يتخلّص من عقدة “الحضارة” ومن عقدة “الانفتاح” على العالم بلا حدود. إنّ معايير العيش الكريم هي الكرامةُ الوطنية، والسيادةُ على الأرض، واحترامُ تاريخ التضحيات… لا فتحُ الذراعين للسفّاحين وداعميهم لمجرد أنهم “غربيون”!
11 شباط 2012