حوار حملة المقاطعة مع جاد غصن

0

تنويه: نحن، أعضاء حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان مسؤولون أمام كل من يعتبر المقاطعة شكلاً من أشكال النضال ضد الصهيونية وكيانها، ولهذا فنحن نعتمد معايير واضحة ودقيقة نستند إليها في عملنا. مثلا، نرفض رفضا قاطعا أي لقاء مع شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية، بغض النظر عن الشخص ومواقفه. طبعا نستثني سكان فلسطين الأصليين أيا تكن ديانتهم من هذه المقاطعة، إلا من عُرفت له مواقف أو أفعال تطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي. جرى النقاش التالي أثناء مقابلة محصورة بين عدد من أعضاء حملتنا والأستاذ جاد غصن بتاريخ 17 نيسان/أبريل 2024، ومحوره الأساس هو الإشكالية التي طرحتها مقابلة غصن مع المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية “إيلان بابيه”. راجع الأستاذ جاد غصن نص الحوار والهوامش التي أضيفت عند التحرير، ووافق على نشرها.

الحملة/ محاور أول: هذا السؤال طرح علينا بشكل متواتر: هل سألت إيلان بابيه عن سبب احتفاظه بالجنسية الإسرائيلية؟ وهل ناقشته
في هذه النقطة؟
جاد غصن: كلا لم أسأله هذا السؤال، ولا أعتبره سؤالا يهمني، وسأشرح لماذا.
لأن الجنسية الإسرائيلية في هذه الحالة معطاة، وليس مكتسبة نتيجة موقف سياسي. مثلا فلسطينيو ال48 1 يحملون الجنسية الإسرائيلية، وإذا كان الموقف مبنيا على الجنسية حصرا، فيجب مقاطعتهم؛ علما أن أغلبهم، كل حسب قدراته وظروفه، مقاومون جديون. في القانون اللبناني، ليس هناك ذكر لكلمة إسرائيل بل هناك ذكر للعدو وهو في هذه الحال النظام الصهيوني. هل نعتبر شخصا من فلسطينيي ال48 ، وهو مقاوم، ومعاد للصهيونية، وليهودية الدولة، ومؤيد لحل الدولة الواحدة تحت اسم فلسطين، هل نضعه في خانة العدو؟ رغم حمله الجنسية الإسرائيلية؟
الحملة/ محاور أول: نحن كحملة واعُون لهذا، ونستثني أي شخص من فلسطينيي ال48 من هذا العداء، والمقاطعة، ما لم يكن لديه أفعال أو مواقف تطبيعية.
جاد غضن: تماما، لدي نفس المعيار لكل القاطنين على هذه البقعة من الأرض؛ بل أتمنى أن يكون هناك الآلاف من أمثال “إيلان
بابيه” لأن هذا يقوض وجود الدولة الإسرائيلية من أساسها. وهذا ما يتيح إمكانية إقامة سلام حقيقي. لهذا لا يعنيني موضوع الجنسية بذاته بقدر ما يعنيني إذا كان الشخص صهيونيا، أو يعمل لتعزيز دعائم السلطة الصهيونية القائمة. والذي يعرف حتى القليل عن “إيلان بابيه”، وعمله، لدرجة مشاركته في حركة مقاطعة الكيان الإسرائيلي )يعرف أنه معاد للصهيونية.
الحملة/ محاور أول: هو من أوائل الداعين للمقاطعة الأكاديمية للكيان الإسرائيلي ولديه كتاب حول الموضوع.
جاد غصن: من هذه المنطلقات، بالنسبة لي فإن بعض الناس عن حسن نية، وبعضهم لديه فعلا موقف من هذا الموضوع، وكثير من الناس، انطلاقا من “الزجل اللبناني”  الفارغ من المعنى، من مؤيدي 8 آذار ومؤيدي 14 آذار وحملة المزايدات، يدخلون في النقاش من منطلق شكلي على حساب أي مضمون. علما أن القانون اللبناني المرعي الإجراء، وهذا ليس رأيي إذ استشرت محامين قبل إجراء الحوار، لا يعدّ ما قمت به جرما. ذكرني ما حصل على تويتر، خاصة أولئك الذين قالوا عن “إيلان بابيه” إنه صهيوني، بما قاله الرئيس حسين الحسيني 5 في المجلس النيابي قبل وفاته: “جعلتم من نص الدستور استهزاءً بروحه.” هناك بعض من يريد الدفاع عن نديم قطيش، وليال الاختيار التي استضافت “أفيخاي أدرعي”، فيقولون: كيف يسمح لجاد غصن باستضافة “إيلان بابيه” وكأن إيلان بابيه مثل “أفيخاي أدرعي” ! وفي المقابل، هناك من لا يحب كثيرا مما أقول، فينتهزون الفرصة للتذرع ب”إسرائيل”. ليست هذه مشكلة، لكن المشكلة في اعتبار هذا محاجّة قانونية.
الحملة/ محاور أول: تعقيب سريع، في قانون العقوبات لا ترد كلمة “إسرائيل”، بينما في قانون المقاطعة مذكورة بالاسم.
جاد غصن: هذا القانون للمقاطعة التجارية.
الحملة/ محاور أول: قانون المقاطعة يحتاج إلى توضيح، أو اجتهاد، أو تعديل لأنه يتعاطى مباشرة مع الشق التجاري من التعامل مع “إسرائيل”. لكن يرد في مادته الأولى 6 كلمة اتفاق، وفي آخر الجملة: أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته. وليس هناك إجماع على تفسير هذه النقطة.
جاد غصن: حتى في هذا الموضوع، لم أعقد اتفاقا مع”إيلان بابيه” جلسنا وتحادثنا.
الحملة/ محاور أول: في حالة مقابلتك، الدخول من الباب القانوني ضعيف الحجة.

1 المقصود بالتعبير المختصر: “فلسطينيو ال48″ أهلنا من الفلسطينيين الذين استطاعوا البقاء في أرضهم رغم الاحتلال الصهيوني، وحملوا قسرا الجنسية الإسرائيلية.
2 باستثناء قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عن جامعة الدول العربية والذي أقره مجلس النواب اللبناني في عهد الرئيس كميل شمعون
3 كل ما يضاف بين هلالين هو من المحرر وهدفه توضيح أو استكمال الفكرة
4 المقصود بالزجل اللبناني حسب السياق هو المناوشات بين طرفين متخاصمين في السياسة اللبنانية، وجمهور الطرفين، بشكل مكرور ومبتذل
5 رئيس مجلس النواب السابق
6 نص المادة الأولى من قانون مقاطعة”إسرائيل”:
يحظر على كل شخص طبيعي او معنوي ان يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقا مع هيئات او اشخاص مقيمين في اسرائيل او منتمين اليها بجنسيتهم او يعملون لحسابها او لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية او عمليات مالية او اي تعامل اخر ايا كانت طبيعته. وتعتبر الشركات والمؤسسات الوطنية والاجنبية التي لها مصانع او فروع تجميع او توكيلات عامة في اسرائيل في حكم الهيئات والاشخاص
المحظور التعامل معهم طبقا للفقرة السابقة حسبما يقرره مجلس الوزراء بقرار ينشر في الجريدة الرسمية
http://77.42.251.205/LawView.aspx?opt=view&LawID=178846 .
7 هناك رأي قانوني للدكتور عصام نعمة إسماعيل منشور في جريدة الأخبار يتوسع في قانون المقاطعة خارج دائرة التعامل التجاري والاقتصادي
https://al-akhbar.com/Archive_Justice/115960

جاد غصن: أشير إلى أنني فوجئت كثيرا بقانون مقاطعة “إسرائيل”حين اطلعت عليه منذ سنوات لإعداد تقرير لقناة الجديد، كونه
يقتصر على الجانب التجاري. لكن السياق التاريخي الذي جاء فيه هذا القانون مفتاح لفهمه. وفعليا هو بحاجة إلى تعديل إذا أردنا
توسعة نطاقه؛ لأن ما ورد فيه من كلام عن “اتفاق من أي نوع كان” يتعارض، في حال التوسع في دلالته، مع كل المواد اللاحقة في القانون نفسه، والتي تفصّل الكلام في الشؤون التجارية حصرا.
الحملة/ محاور أول: هو بحاجة لتوضيح، أو إضافة نص آخر انطلاقا منه، يلحظ أشكال التعامل الأخرى، لا سيما ما نسميه “التطبيع
الإلكتروني”، مثل استضافة “أفيخاي أدرعي” والذي أعتقد أنك لا تقبل باستضافته.
جاد غصن: هذا هو المضحك، الحديث بالمطلق، وكأننا في عالم تحكمه ثنائية أبيض/أسود. مثلا في حراك Me too الذي بدأ في
الولايات المتحدة الأميركية، بإمكاننا إدانة كل أنواع التحرش، وبالإمكان التفريق بين مستوياته في المعيار القانوني، مثلا هناك ما
يستوجب السجن لسنة، وهناك ما يستوجب السجن المؤبد، وهناك بعض مزاعم التحرش التي لا تثبت مخالفتها للقانون. أما بعقلية الأبيض والأسود، فيصبح لدينا مشكلة حقيقية، عليك حينئذ أن تسجن عددا هائلا من الناس يعبرون على وسائل التواصل الاجتماعي. أما الذي لا ضبابية حوله، فهو استقبال شخص مسؤول، هو صهيوني يدعو لخطاب العدو، يدافع عن قصف بلدك، وعن سياسة الفصل العنصري، التي يفترض أنك متضرر منها. هو مسؤول (المقصود”أفيخاي أدرعي”) وليس فقط مدافعا. المدافع بحد ذاته مشكلة، فكيف بمن هو مسؤول في السلطة التي تمارس هذه الممارسات، وعدد من قتلتهم هذه السلطة تخطى المئتي لبناني، طبعا غيرالفلسطينيين وما يجري في فلسطين، إذا تحدثنا على أساس المعيار الوطني البحت أي المحلي (اللبناني)، وتعطي مساحة إعلامية لهذا المسؤول، ويأتي البعض ليقارن هذا مع أي استضافة أخرى، وصولا إلى مقارنتها مع استضافة “إيلان بابيه”! هذا جنون.
الحملة/ محاور أول: أنت أشرت إلى المفتاح في هذه الإشكالية: الحدّ، بين “أفيخاي أدرعي” الذي سأعتبره الطرف الأول، ونقيضه
إيلان بابيه في الطرف المقابل. ما هو الحد المقبول؟ هذه معضلة قانونية، ويمكن أن تطرح معضلة في عمل حركات المقاطعة.
أضرب مثلا: فلنفترض أن أحد الإعلاميين يريد أن يستضيف “بني مورس” وهو من المؤرخين الجدد، ولديه أعمال أكاديمية جيدة،
وبعض أعماله منشور مثلا في سلسلة عالم المعرفة 8 ؛ لكن “بني مورس” لديه نزعة عنصرية ضد العرب، ينتقده عليها “إيلان بابيه” نفسه، وهو قريب من الصهيونية. كيف يمكن الفصل بين استضافة فلان، واستضافة علان؟ ما هو الحد؟ قانونيا، مثلا، يمكن للبعض أن يطالب بجهاز رقابي، يدرس طلبات الاستضافة، فيعطي إذنا مسبقا أو يحجبه، لكننا نعرف أن هذا غير واقعي. الكلام لك، أين يجب أن يكون الحد؟
جاد غصن: لست مع الرقابة المسبقة، بل مع الرقابة (المساءلة) اللاحقة. طبعا هناك ما هو مبتوت في أمره: الداعم للصهيونية، الداعم للسلطة الإسرائيلية، الداعم للاحتلال، الداعم للاستيطان، إلخ، هذا مبتوت أمره وسهل. أما ما هو في المنطقة الرمادية، فهنا دور القانون والقضاء الذي يبت في هذه القضايا. أما رأيي الشخصي، فالبت بسيط جدا، هل الشخص المستضاف داعم، مدافع، مبرر، يعطي شرعية لأعمال العدو أيا كانت؟ يعني في مسألة عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم، هل هو يدعم بقاءهم حيث هم وضد عودتهم إلى فلسطين؟ احتلال الأراضي، استيطان الأراضي، ممارسات الجيش الإسرائيلي، ومجموعة أمور هي لب العداء لإسرائيل. هذا الضيف يكون حينئذ صوتا للعدو. أما إذا كان الضيف بخلاف كل هذا، بل هو يدافع عنا كضحايا في هذا الصراع، فالأمر مبتوت. لكن القانون لا يمكن أن يذكر كل شخص على حدة، مثلا “بني مورس” لا يمكن أن تجلس لتحاوره، والسبب بسيط، إذا تابعت آخر مقابلاته، هو لا يعتبر الجيش الإسرائيلي جيش احتلال مثلما نعتبره نحن، وهو يكرر السردية الرسمية التي تقول إنه من أكثر الجيوش التي تعتني بالمدنيين، وأن الأخطاء تحصل مع كل الجيوش لكن الجيش الإسرائيلي لا يتعمد أذية المدنيين. هنا الحد، هو لا يعتبره جيش احتلال.
الحملة/ محاور أول: فكرتك واضحة، وهي أن فكر الشخص ومواقفه ونهجه، بعد التحري الدقيق عنه، هي التي تحدد إمكانية
استضافته من عدمها. أين هي الإشكالية التي تكمن في فكرتك؟ يأتي أحد الإعلاميين ليقول: جاد غصن اعتمد هذا الحد، أنا كإعلامي حدي هو القانون الدولي، هل يحترم الضيف القانون الدولي أو لا؟ هل هو من دعاة السلام أو لا؟
لست متأكدا من كونك لمست” هاجسنا ” كحملة: تخوفنا من تمييع المسألة، لأننا لا نعول دائما على تطبيق الشق القانوني في بلد مثل لبنان.
جاد غصن: موقفي بعكس هذا الهاجس، أنا مع فتح الموضوع، وبخلاف ذلك فإن حملة المقاطعة، ومقاطعة “إسرائيل” لا معنى لها (لا تأثير لها)، إلا في الشق القانوني إذا وجد، وهو أقل المعاني التي تهمني على الصعيد السياسي. ما أنتقده في الدين، هو إلزام الناس بفروض معينة واعتبار هذا الطريق للوصول إلى الجنة؛ مثلا الدين قد يمنع شخصا من شرب الكحول، لكنه لا يشرب لأنه لا يجد الكحول، فربما هو يحب أن يشرب يوميا، هل يدخل هذا الشخص الجنة؟ بنفس المعنى، أنت تمنع الشخص من أن يطبع مع “إسرائيل”، لكن القانون في عقله يصبح شكليا. أنا مع القانون إذا كان تنفيذا لسياسة الدولة المعلنة. ضع القانون جانبا، هناك قوى 8 الكتاب بعنوان: مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين
9 الحد الذي ارتأيناه في حملتنا هو مطلق حمل الجنسية الإسرائيلية، باستثناء فلسطينيي الداخل المحتل عام 48، ما ليكونوا مطبعين أو من دعاة التطبيع سياسية أصبحت تعبر بشكل مباشر وغير مباشر عن هذه العقلية: الذي يعبر بطريقة مباشرة يقول: اتفاقية سلام، والذي يعبر بشكل غير مباشر يقول: ما المشكلة في التطبيع، ويضرب أمثلة عن الدول العربية المطبعة. هذا النقاش موجود في البلد، هل برأيك قانون مقاطعة”إسرائيل”هو الذي يحمي الدولة اللبنانية والبلد من تطبيع العلاقة مع “إسرائيل”؟
الحملة/ محاور أول: لا.
جاد غصن: برأيي، غياب النقاش الجدي، واحتكار فريقين النقاش في عداء “إسرائيل” والتطبيع معها، يضعان قوالب خاصة لشكل
التطبيع وشكل الصراع هو الذي يجعل الكثير من الناس يقول: خلصنا، هل سنزايد على الفلسطينيين ومسؤوليهم، ويضربون المثل
بمحمود عباس؛ هذا ما لاحظته حين كنت طالبا في الجامعة. لماذا صار هذا المنطق ساريا عند بعض الناس؟ لأن القضية حين
تتحول إلى مجموعة شعارات وأصنام، تصير مع الوقت منفصلة عن واقع حياتك اليومي، فتقول حينئذ: خلصونا، أية فلسطين وأية
قضية 11 . ولكن حين تدخل في النقاش العام، بشكل عقلاني، مثل استضافة ” إيلان بابيه” وهذا ما قلته في الفيديو اللاحق: أهم ما في الحلقة هو النقاش حولها لا الحلقة بحد ذاتها. ويا ليت نقاشا مثل هذا ممكنا في البلد، كي يجلس أحدنا في مقابل الآخر ليفتح هذا النقاش، كي يعود ليسأل الناس، خصومه ومن يعتبرون أنفسهم حلفاءهم: لماذا نحن في عداء مع إسرائيل؟ ليست مسألة قسرية، ولا إلزاما، يجب أن تكون قناعة. لماذا هناك منطق عداء؟ ما الفارق مع الذي يقول إن سوريا كان لها وجود في لبنان؟ هذا نقاش يجب أن يُفتح 12 ، كي يفهم الناس، لا كي يحفظوا، لماذا هذه المواقف مفيدة. أنا مع فتح النقاش في هذه القضايا، لا اعتبار أن القانون هو الحامي، لأن القانون في المطلق هو إجراء شكلي.
الحملة/ محاور أول: ما تقوله ينطبق على المقاطعة الرسمية 13 ، لأنها انهارت بعد اتفاقيات أوسلو، ولأنها لم تتحول إلى قناعة لدى الناس. ولهذا فإن قوى مثل حملتنا وغيرها أخذت زمام المبادرة.
جاد غصن: برأيي انهارت قبل أوسلو، ما جعل الاستهلاك يتوسع بهذا الشكل هو انفتاح الاقتصادات العربية في التسعينيات على
الاستهلاك الخارجي الذي كان سابقا أقل بكثير.
الحملة/ محاور أول: الحجة بعد أوسلو كانت: لن نكون ملكيين أكثر من الملك، وانطلاقا أيضا من فشل نشر ثقافة المقاطعة عن اقتناع لأنها كانت مفروضة بقوة القانون. ولهذا فإن المجتمع الأهلي أو ما يسمى بالمجتمع المدني، والمتطوعين والناشطين، ونحن منهم، أصبح ناشطا في هذا الميدان، وقد تأسست حملتنا لهذا الهدف. هناك ثقافة عداء لإسرائيل، وهي متبناة رسميا، وهناك كتب عنها. لكن المقاطعة لمن تكن مأخوذة على محمل الجد. وتدرّج عمل حملتنا، ثم نشأت ال BDS 14 في سنة 2005، وبعد نشوئها توسع عملنا ليشمل ميادين المقاطعة الفنية، والثقافية، والأكاديمية، والرياضية. ما تقول به أنت كان ليكون ممتازا في بلد فيه حراك سياسي، فيه ديمقراطية، فيه نوع من موازين قوى بين المواطن والسلطة تسمح له بأن يسعى لفرض فكرة يطرحها في الفضاء العام.
جاد غصن: إذا تنصلنا من فكرة طرح الأفكار ونقاشها لعدم توافر مقوماتها في بلدنا، ولننسَ “إيلان بابيه” الآن، فلماذا إذا نشتغل في الصحافة، ولماذا نجري مقابلة مع “إيلان بابيه” أو غيره؟ كل سعيي أن من يشتغل بالصحافة ويجري المقابلات ويقيم محاجّات يعول في النهاية، رغم كل مساوئ النظام السياسي وانعدام الأفق بمعايير اليوم وموازين القوى اليوم، على محاولة تنشئة إنسان مغاير. لهذا لا أستطيع القول لأن هذا هو واقع البلد، فمنع العالم هو البديل عن النقاش والمحاجة.
الحملة/ محاور أول: لتوضيح الفكرة. بسبب فشل المقاطعة الرسمية التي لم تكن بالإقناع، نشأت حالات مثل حملتنا منذ أكثر من
عشرين عاما. لكن المشكلة هي في الإمكانيات: مثلا أنت كجاد غضن خلقت حالة في المجتمع اللبناني، من طرح المواضيع السياسية والاقتصادية في إطارها الصحيح، واستضافة ضيوف غير مرحب بهم في الإعلام المهيمن، … ولكن قد نحتاج لألف جاد غصن كي نوصل فكرة واحدة مثل الزواج المدني على سبيل المثال لأن هناك اختلالا كبيرا في موازين القوى. نحن نقول: نعمل ما علينا عمله، ولكن لا يمكن، وربما هناك حرب إقليمية على الأبواب، أن نترك جماهير المقاطعة من دون أي تأطير. لا يمكن أن نقنع الشعب اللبناني كله الآن بجدوى مناهضة التطبيع. لا أقول إن علينا أن نفرض هذا بالإكراه، ولكن بما نقوم به من بيانات وندوات ومقابلات. عليك أن تطرح آراءك وأفكارك، وعليك ضمن عملك الجماعي أن تقترح معايير، طبعا هي قابلة للتعديل وليست مقدسة. لا يمكن أن تترك الجماهير، وعند أي موضوع إشكالي يتحول كل مواطن لبناني إلى محلل سياسي، ويعطي رأيه دون أي عمل منظم. ربما لهذا خسرنا لحظة 17 تشرين.
جاد غصن: صحيح، ولكن بأي معنى. لا يمكن أن تترك الجمهور دون تأطير، وتحتاج إلى عمل منظم، صحيح. ولكن هل تتصور أن
هذا العمل المنظم سيسمح لك بالوصول إلى ما تريد في هذا الموضوع، وأنا رأيي أنك لن تصل إلى الحسم في أي موضوع في هذا البلد. لا ضير من أن يصبح الجميع سياسيا، عادة ما يحميك من هذا ليس قدرة أطراف على العمل المنظم، هذا يحمي الفئة التي  للقانون دور ما، لكنه ليس وحده ما يمنع التطبيع كناية عن النفور منها وعدم الإيمان بجدواها والاستخفاف بأهميتها منذ أشهر وحملتنا تنسق تؤسس مع أطراف أخرى، منها حزب لبناني، لمشروع يفتح هذا النقاش ويشرح مفهوم العداء للكيان الإسرائيلي وأهميته للبنان، وستكون باكورة هذا المشروع سلسلة ندوات يعلن عنها قريبا لا ننكر أهمية المقاطعة الرسمية وجدواها، لكن تبين أنها لم تكن كافية لنشر ثقافة المقاطعة  https://bdsmovement.net/ar انتظمت، وتلك التي اقتنعت بعمل ما؛ أما ما يلزم عادة مجتمعا ما عادة في ظروف استثنائية وفي كل الظروف، هي الدولة. وفي غياب الدولة، ستبقى كل المواضيع وجهة نظر. حصلت تفليسة، سُرقت أموال المودعين من المصارف، وظلت وجهة نظر. بعض الناس ما يزال ينتظر أن تعود الأموال. “إسرائيل” وجهة نظر، الدَّين وجهة نظر، القانون وجهة نظر، المقاومة وجهة نظر، وعدم المقاومة وجهة نظر. ما يحسم عادة هو الدولة، وهنا ندخل في شق سياسي بحت وهنا بيت القصيد. على الرغم من طموح المرء أن يكون الرأي العام هو المحرك للقضايا العامة السياسية. لا في الدول الاسكندنافية، ولا في دول الجنوب، وصلت الديمقراطية إلى هذا الحد. جل ما يطمح إليه المرء هو التأثير في النخب قبل الجمهور، والنخب تتأطر في أطر معينة، والنخب في صراعها السياسي تؤثر في السلطة. أما إذا تخيلت أنني بالإقناع سوف أؤثر في الجمهور العريض، فهذا وهم. الأديان مثلا لم تنتشر بالإقناع على طريقة واحد + واحد = إثنان، هناك حروب، وفتوحات، أو حاكم يبدل دينه فيتبعه الناس، والأمر عينه في السياسة.
الحملة/ محاور أول: في موضوع مقاطعة الكيان الإسرائيلي والتصدي للتطبيع، هل بالإمكان كحملة، أو كفرد مثلك أنت مهتم
بالموضوع، وقدمت حلقات عن المقاطعة؛ هل بإمكانك ترك القضية في الفضاء دون تحديد أطر عامة؟ مثلا نحن في عملنا كحملة
لدينا معايير لمقاطعة الشركات، فمنذ عملية طوفان الأقصى إلى اليوم، وقد دخلنا في الشهر السابع، ووسائل التواصل الاجتماعي مليئة  بالمعلومات الخاطئة عن المقاطعة، ما أسميه”مزبلة معلومات”. لو لم نطرح منذ سنوات طويلة معايير لمقاطعة الشركات، ترجمت بعد جهد في دليل لأبرز الشركات الداعمة، ما كانت لتكون نتيجة عملنا؟ كمن يكرس جهدا عن حسن نية، ولكن لا إمكانية للاستفادة منه.
جاد غصن: أنا مع أن تضعوا معايير للمقاطعة، ولكن المعايير لا يجب أن توضع بعقلية كتابة قانون، يجب أن تكون واضحة كأنها
قانون، ولكنها لا يجب أن تكون قانونا إذ لا يهمني أن يتم تطبيقها كقانون بقدر ما يهمني أن تدخل في حيز النقاش العام وأن تكون
قابلة للاستيعاب والفهم والاقتناع لدى الناس. لأن القانون بحد ذاته قادر على أن يمنع ما يريد منعه، ضمن الاستنسابية اللبنانية: مثلا يسمح للفاخوري بالهرب من لبنان، وأن تسجن زياد عيتاني لأن إحداهن لفقت له تهمة عمالة. كل شيء استنسابي في لبنان. المشكلة في لبنان ليست في القانون، بل في أن القانون خاضع للاستنسابية. لا أتصور أنكم واهمون، في أنكم وحدكم تستطيعون حل هذه الإشكالية، هذه إشكالية نظام سياسي. ولكن أهمية ما تقومون به، وأنا بالنسبة لي في الصحافة قدمت مادة عن المقاطعة لأن هناك فكرة كانت منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي تقول إن المقاطعة تخلف، وإلخ…فأردت أن أقدم طرحا واقعيا من دون عواطف. وأرى أن مشكلة المقاطعة، ومشكلتكم أنتم كحملة أن قسما من اللبنانيين مع التطبيع وهو ضدكم، وقسم آخر لا يعتبر أنه بغير السلاح يمكن الانتصار في المعركة، ولهذا لا يعتبركم ضمن الأولويات؛ تصبحون أولوية حين يكون هذا مفيدا له. هذا الواقع يعزز أهميتكم كحملة، وأهمية هذا النوع من الخطاب الذي يقول: حسنا، السلاح ضروري للدفاع عن البلد، وضروري في مواجهة الاستعمار، ولكن إذا لم يكن هناك ناس مقتنعة بأسباب حمل السلاح، فإن السلاح وحده لا يحقق شيئا، فتعالوا لنتناقش في المقاطعة وأسبابها. أنا مع المعايير، ولكن لا أن يكون الهدف تطبيقها كقانون، لأنكم لستم الجهة القانونية، ولكن فتح نقاش فيها كي يتقبلها الناس عن اقتناع لا عن خضوع. الحملة/ محاور أول: هذا النقاش الذي يهدف إلى الإقناع حصل، كي نصل إلى وضع المعايير، كان هناك مخاض كي نصل إلى هنا:
من “نادي الساحة” مع سماح إدريس في بدايات الألفية الجديدة، حتى نشأت الحملة في ربيع العام 2002 بعد مجازر مخيم جنين، حصل نقاش وجدل حول من نقاطع: هل نقاطع الكيان الإسرائيلي، أو نقاطع أمريكا أيضا، أو الدولة الفلانية…حتى استقرت الفكرة على مقاطعة الكيان الإسرائيلي وداعميه، سواء كانوا في أمريكا أو حتى في لبنان. والنقاش لم يقفل، كان لدينا متنفس في جريدة الآداب، ثم في فترة جائحة كورونا، يعني منذ أربع سنوات، صرنا ننظم ندوات وحلقات نقاشية: مثلا نظمنا ثلاث ندوات عن ترسيم الحدود، مع د. عصام خليفة، ومع اللواء أمين حطيط، وكذلك عن التطبيع من باب الطاقة، ومثل هذه النقاشات فيها الإشكاليات التي يمكن أن يطرحها خصوم المقاطعة، وهذا في حركية مستمرة. ولكن إذا خضنا في موضوع دقيق، نحن كحملة لدينا مسؤولية ألا نضلل الناس، ولهذا عليك أن تعلن مبادئك ومعاييرك، وأن تكون صلبة شرط ألا تتخشب. مثلا لو سئلنا كحملة عن شركة سامسونج هل ندعو لمقاطعتها أم لا، هل نقول لمن يسأل: تدبر أمرك؟ جوابنا له يكون: هذه معاييرنا، يمكن أن نناقشها معك، وقد نظمنا ندوات حولها، ولك أن تلتزم فيها أو لا.
والآن في موضوع دقيق مثل موضوع “إيلان بابيه”، تخوفنا ليس من نية جاد غصن، ولكن تخوفنا من تمييع معايير وجهود
المقاطعة، وما أشطرنا في الإعلام اللبناني في التمييع.
جاد غصن: أفهم ذلك. رأيي في هذا الموضوع ومعياري بسيط، وأعتبره واضحا. من أسهل الأمور تطبيق معيار على من يعلن
موقفه: فالجيش جيش احتلال، الأعمال أعمال احتلال، القتل، …. حين ندخل في هذه التفاصيل، يصبح واضحا من يدعم تصرف العدو. حتى القانون، فالأساس فيه النية الجرمية. أين النية الجرمية في إجراء مقابلة مع شخص مثل “إيلان بابيه”؟
الحملة/ محاور أول: في هذه الحالة، لا نية جرمية لديك. ولكن القانون أحيانا لا يعتبر النية شرطا. مثلا، أي إسرائيلي يصل إلى
مطار بيروت، بجواز إسرائيلي، لن يسألوه عن نيته، بل يمنعونه فورا من دخول لبنان.
جاد غصن: طبعا، لأنه يدخل إلى الأراضي اللبنانية.

الحملة/ محاور أول: الإشكالية هنا: رأيك أن خطاب الشخص وأفعاله ومواقفه هي ما يحدد جواز استضافته من عدمها. طبعا أنت
كفرد لك كامل الحق في أن يكون هذا رأيك، ولكن عندما تريد أن تنخرط في عمل جماعي منظم، مثل حملة المقاطعة، لا يمكن أن يكون لديك ” ازداوجية” في المعايير. أنت كجاد غصن واثق من نفسك، وتعرف مكنوناتها.
جاد غصن: بالنسبة لي ليس هناك ازدواجية معايير، حين أقابل شخصا معاديا للصهيونية.
الحملة/ محاور أول: أنت اخترت سقفا عاليا، واشترطت أن يكون معاديا للصهيونية، لكن غيرك يمكن أن يختار سقفا أقل: مثلا
يشترط أن يكون الإسرائيلي مؤيدا للسلام. هي ليست مشكلتك كجاد غصن في وجود هكذا آراء، هذه إشكالية كبيرة.
جاد غصن: معياري ليس شخصانيا، في القانون اللبناني، قانون العقوبات لا سيما المواد المتعلقة بأمن الدولة، فعليا هناك تحديد
لمناصرة العدو، وهي معايير واضحة. أما إذا قال أحدهم إنه مع السلام، فهذا خيار دولة.
الحملة/ محاور أول: كي أعطي مثالا أوضح. أحد الصحافيين يريد أن يستضيف إسرائيليا ضد الصهيونية، ولكن الضيف يعتبر أن
حل الدولتين هو الحل الواقعي الوحيد. ما هي حيثيتنا كحملة، وما حيثيتك كجاد غصن التي تخولك القول إن هذا خطأ؟ وإن سقفنا
كحملة أو سقفك كجاد غصن هو الصحيح؟ هذا المقصود بازدواجية المعايير، أو على الأقل عدم وضوحها.
جاد غصن: إذا كان هذا هو هامش النقاش: أي هذا الحد أو ذاك، فأنا مع فتح النقاش.
الحملة/ محاور أول: ليس هناك تكافؤ في القوى كي يكون النقاش صحيا. ما الذي نملك من أسباب القوة اليوم كي يكون نقاشا متكافئا؟
بل ما هي قوة كل من هم مؤيدون للمقاطعة، وكل من لا يريد أن يرى بلده مدبرة للإسرائيليين؟ كل هذا التيار لا يملك  ما يمكنه أن يشارك في نقاش حقيقي وعادل، للأسباب التي سبق وذكرتها أنت.
جاد غصن: ألا تعتبر أن فتح النقاش يزيد من احتمال استقبال الحملة، وأن يصبح لها مساحة إعلامية أكبر؟ أما إذا غُيّب النقاش، وكأن الإشكالية غير موجودة، فالبعض، كما هو حاصل الآن، بمجرد ذكر المقاطعة يعبر عن مواقف مسبقة عنها: مثلا يعتبرها البعض
تخلفا، دون أن يعرف عم يتحدث. أنت بحاجة أن تفتح هذا النقاش.
الحملة/ محاور أول: رأينا نماذج من النقاش والتعليقات على صفحتك على تويتر.
جاد غصن: تحدثت عن شخص مؤيد لحل الدولتين، يا للأسف هذا موقف لبنان الرسمي منذ المبادرة العربية.
الحملة/ محاور أول: ليس الجدل في جزئية حل الدولتين، كانت مجرد مثل. فلنضرب مثلا آخر عن إسرائيلي معاد للصهيونية، ولكنه
ضد حق العودة.
جاد غصن: إذا كان ضد الصهيونية وضد حق العودة، لا نقاش لي معه.
الحملة/ محاور أول: الإشكالية هنا، من لديه السلطة أو المشروعية كي يقول: هذا أناقشه، وهذا لا نقاش لي معه؟ والمشكلة أيضا في بلد مثل لبنان، ومجتمع مثل المجتمع اللبناني، لا يأخذ النقاش في قضايا مثل هذه منحى سليما. قد يبدأ النقاش في إطار صحيح، ثم تدخل في حسابات وزواريب السياسة الداخلية.
جاد غصن: حسب نوعية النقاش. إذا كان النقاش في المجتمع اللبناني: من مع فريق إيران ومن مع فريق السعودية، هذا نقاش
للاستقطاب.
الحملة/ محاور أول: سيأخذ هذا المنحى.
جاد غصن: فليكن. لا يمكن أن أضع قواعدي للعمل السياسي، وقواعد فكري، على حدود يحددها خصومي السياسيون. وإلا أنتهي إلى أن تحدد قواعد عملي من قبل خصومي: مثلا ما يحدده حزب الله، أو التيار الوطني أو القوات من حدود، ألتزم به. وحينئذ، يصبح كل ما تقوم به غير مؤثر في الخطاب السياسي.
الحملة/ محاور أول: ما أقصده بكلامي، وقد أكون أسأت التعبير:
هناك مساحة للنقاش: في الصحف، وفي المجلات، وفي ندوات، يخلقها أشخاص مثل جاد غصن، جهات مثل حملة المقاطعة، إلخ. ولكن مثلا إذا أردنا أن نناقش إشكالية السلام أو عودة اللاجئين، وفتحنا الباب لاستضافة مؤرخ إسرائيلي، حتى لو كان مثل “بابيه”، أو أكاديمي إسرائيلي، فهنا نخرج عن النقاش الذي لا يعود نقاشا. من يملك المال ووسائل الإعلام، ومن لديه مشروع تطبيعي، المقصود: المساحة الإعلامية، والتمويل، وأسباب خوض اللعبة
جاد غصن: ” وأرى أن مشكلة المقاطعة، ومشكلتكم أنتم كحملة أن قسما من اللبنانيين مع التطبيع وهو ضدكم، وقسم آخر لا يعتبر أنه بغير السلاح يمكن الانتصار في المعركة، ولهذا لا يعتبركم ضمن الأولويات؛ تصبحون أولوية حين يكون هذا مفيدا لهم. “ومنظمات المجتمع المدني، الممول منها تمويلا يخدم مشروعا تطبيعيا، تستطيع أن تفرض مشروعها، فنقف عندئذ عاجزين ونحننراقب بلدنا يغرق في التطبيع. لا يمكن أن ترضى بكل هذا تحت مسمى النقاش، وأن النقاش يستقر على ما هو متوازن أو مناسب.
جاد غصن: أنا مقتنع أن ما تتخوف منه، لا أنا ولا أنت من نمنع حصوله. ما يمنعه هو أن القوى السياسية، بسبب ارتباطاتها صار
بإمكانها المجاهرة بالتطبيع لأن مرجعياتها الخارجية تجاهر بالتطبيع، ولم يكن هذا هو الحال في التسعينات حين إقرار اتفاقية
الطائف، والتسوية السياسية التي أنهت الحرب على اتفاق: كلنا عرب، وكلنا ضد إسرائيل، وكلنا مع زوال الاحتلال. ولهذا ترى أن
هناك جهات كانت تتعامل مع إسرائيل حتى ربع الساعة الأخير قبل انتهاء الحرب، وفجأة لم يعد أحد يتحدث في الموضوع. لم يعودوا يجاهرون بهذا لا لأن القانون يمنعهم من ذلك، بل لأن التسوية السياسية في الطائف قامت على وجود سوريا في لبنان، وأن لبنان دولة عربية وأننا في صراع مع إسرائيل. الخطاب السياسي، كي تعرف أن كل هذا مضبوط بالسياسة لا بأي نص قانوني، منذ عام 90 حتى سنة 2005 كان يقول بأن الجمهورية اللبنانية مع السلام العادل والشامل. لماذا كان هذا هو خطاب الدولة اللبنانية؟ لأن سوريا كانت في لبنان.
الحملة/ محاور أول: كان هناك مشروع سلام. وأيضا مشروع الحريري الاقتصادي كان على هذا الأساس.
جاد غصن: هذه كانت مراهنات ضمنية للحريري، ولكنه لم يكن يجاهر بهذا، بسبب الوجود السوري في لبنان، وأن حافظ الأسد كان ينادي بالسلام العادل والشامل؛ انتهى هذا سنة 2005. بقي القانون، يعني التزام الدولة اللبنانية بالمبادرة العربية سنة 2002، ولا تزال قائمة. فوزارة الخارجية لا تزال في أي لقاء مع مسؤول دولي تتحدث عن المبادرة العربية. في وقت أن الهيمنة السياسية تحولت من سوريا إلى حزب الله، وصار الكلام أن ليس هناك سلام عادل وشامل، وتحول إلى الكلام عن زوال إسرائيل. ولكن كدولة لبنانية، كقانون 17 ، لا تزال مع المبادرة العربية. ما تغير ليس القانون، بل واقع سياسي. ورأيي أن ما يمنع اليوم، مع تغير الواقع السياسي وأن هناك من أصبح يجاهر بالتطبيع، ما يمنع رؤساء الأحزاب أو الزعماء من المجاهرة بهذا مباشرة، هو أن مخاطره عالية جدا عليهم بانتظار معرفة الحل أو شكل العلاقة بين لبنان وسوريا في السياسية. يخافون أن يدفعوا ثمنا غاليا باعتبارهم عملاء. ليست مسألة موازين قوى كي أخاف، في حال فتح النقاش، من أنني لا أستطيع ضبط النقاش؛ فأنا فعليا لست من يضبطه اليوم، بل غيري.
الحملة/ محاور أول: أوافق على ما تقول، ولكن الكلام ليس عن الموقف الرسمي، ولا عمن لا يعتبر إسرائيل عدوا أصلا. بالأقل،
هذه الحركة التي في لبنان وغير لبنان، والتي أخذت زخما كبيرا في حرب غزة، وجو المقاطعة العالمية، هذه النواة التي نبنيها مع
غيرنا منذ أكثر من عشرين سنة، بقدر ما يمكن أن تكون صغيرة، فنحن مسؤولون عبر النقاش والتوعية بأن تكون على أرضية
صلبة. فالبعض يمكن أن يكون ملتزما بنهج المقاطعة، ولكنه غير قادر أو لا يملك الوقت كي يقوم بهذا الجهد النظري، أو النقاش، كي يترجمه بمعايير يعتمدها: هل أتعاطى مع إسرائيلي في المجال الأكاديمي أم لا، هل أتعاطى مع إسرائيلي في المجال الفني أم لا، هل أتعاطى مع إسرائيلي بمجرد الكلام في حال كنت مغتربا أو لا، …فنحن وغيرنا حين نضع المعايير لجمهورنا فهي حرص على العمل الجدي، وهو أمر يشغلنا كثيرا، بل ويسبب لنا صداعا أحيانا. من السهل جدا أن نطرح شعارات، دون أن نحسم في أي شركة إن كانت تستدعي المقاطعة أم لا. يجب أن يكون لدينا طرح متماسك بإزاء أي إشكالية، مثل الإشكالية التي طرحتها مقابلتك مع “إيلان بابيه”، ومثل الإشكاليات التي طرحتها الجزيرة بمقابلة”أفيخاي أدرعي” والمسؤولين الإسرائيليين تحت مسمى الرأي والرأي الآخر، وكشف زيف الرواية الإسرائيلية الرسمية. هناك بعض الإحصاءات 18 التي تشير إلى أن المقابلات مع “أدرعي” وسواه ساهمت في كسر عزلة “إسرائيل”. نحن نعرف أن معاييرنا ليست هي ما يلزم من لم يعتبر في حياته “إسرائيل” عدوا. نحن نعول أساسا على من هم ملتزمون بهذا الخط، ونحاول تثمير جهودهم وتأطيرهم. وبالطبع لا يتم هذا بفوقية، فنحن متطوعون، مثلا منا من انضم للحملة منذ سنوات قليلة، وهناك أعضاء مؤسسون، وأعضاء انضموا منذ 15 سنة، وفي الأشهر الأخيرة انضم للحملة عدد من الأعضاء الجدد. نحن إذا منظومة مفتوحة على القاعدة الشعبية. التخوف هو أن يصبح رأي أو عمل من هم في هذا الخط، أي خط المقاطعة، ملتبسا. وهذا ما لمسناه لدى بعض حركات المقاطعة لأنها لم تضع معايير.
الآن أعطي الكلام لمحاور آخر من الحملة
الحملة/ محاور ثانٍ: مساء الخير. هذا نقاش ثري وغني.
أستاذ جاد، أنا من الأشخاص المصابين بإحباط من الأداء الإعلامي في لبنان بشكل عام، وللأسف يكاد لا يوجد عمل إعلامي جدي وأنت أدرى. أقول هذا لأصل إلى أنني حين أريد أن أتابع مادة جيدة، أتابع جاد غصن، وهذه ليست محاولة مديح. لدي تحفظات كثيرة على وسائل الإعلام، وأداء الإعلاميين، وعلى المحتوى، ولهذا أصبح كثير من المواد الإعلامية ساقطا وأصبح الإعلام أجهزة بروباغندا. لكن أنت تقدم محتوى مختلفا وثقتي بك عالية، ولهذا أسمح لنفسي بخوض نقاش معك في بعض النقاط:
أنت أشرت لنقطة مهمة جدا، وهي أن النقاش يشكل الثقافة، وانا أوافقك في هذا. ولدينا قضايا في غياب الدولة ومؤسساتها، وقانون المقاطعة في شقيه المفعل وغير المفعل، تحتاج إلى النقاش وهو ما يسد الثغرة وهو الذي يبني ثقافة الناس. وطبعا أنت من الأشخاص ( لعل المقصود: كموقف رسمي، لأن المبادرة العربية لم تأخذ صفة قانونية بالمعنى الحرفي
(https://repository.najah.edu/server/api/core/bitstreams/1b35a760-302f-428d-a0f4- 29b37ea3fc6d/content المؤثرين في ثقافة الناس. جزيل الشكر لك على اهتمامك بقضايا قد تكون بالأساس مغيبة، مع وجود أشخاص لم يقوموا بما قمت به
أنت، عملوا معك أو في نفس المؤسسة وخضعوا للمنظومة ولم يأخذوا نفس الخط الذي أخذته وهو خط وطني وحقيقي فعلا في
الإعلام وفي السياسة. كل التقدير لك.
أول نقطة أريد الكلام فيها هي قانون المقاطعة: كلنا نعرف أن الدولة اللبنانية في الأساس ليست بوارد المقاطعة، وكدولة فإن خيارات السلم والحرب ومعاداة الصهيونية ليست بيدها، بل تفرض عليها. وقد سبق وأشرت أنت إلى المبادرة العربية التي وضعت معاييرها في قمة بيروت: هل كانت مرضية للشعب اللبناني والشعب الفلسطيني؟ دائما هناك قرار يفرض على ما يسمى الدولة اللبنانية وأنت أدرى بهذا لأنك ناشط سياسي. قانون المقاطعة لولا جامعة الدول العربية التي وضعت له معايير اقتصادية ما كان ليوجد. ورغم هذا فهذا القانون لا يمكن أن نتخطاه، وحتى ولو كان طابعه اقتصاديا وفيه بعض المؤشرات ونص صريح وواضح، ولست أجتهد في القانون وأنا لست قانونية، يمنع بالمباشر أو الواسطة إجراء تواصل تجاري أو اقتصادي. وهذا القانون إن كان موجودا أو غير موجود، لا أعتقد أنه سيكون ملزما أو غير ملزم إذا لم نكن نحن ملتزمين حقا بمبدأ عام هو حق الشعب الفلسطيني بتحرير أرضه. وإذا كنا مؤمنين بعدالة قضية فلسطين فإن هذا القانون يمكن أن نجد فيه نقاطا نقف عندها.
النقطة الثانية: فلتسمح لي، وهنا سأتكلم بأدبيات حملتنا، كيف نقيم مقارنة بين فلسطينيي 48 والإسرائيليين؟ فلنقف عند الاحتلال عام 1948، ولنضع جانبا ما قبله، “إيلان بابيه” نفسه والمؤرخون الجدد تحدثوا عن أكثر من 500 مجزرة ارتكبها الصهاينة عام 1948، فتشكل ما يسمى بفلسطينيي ال48 من الذين ظلوا في أرضهم، وهم الذين لم يقتلعوا منها ولم يهجروا ولم يقتلوا. فالمقارنة بين هؤلاء وبين الإسرائيليين”جريمة” بحقهم، والسبب أن الجنسية الإسرائيلية التي يحملونها فرضت عليهم وإلا كانوا ليضطروا لترك أرضهم، وبالتالي كانوا ليحققوا هدفا أساسيا من أهداف المشروع الصهيوني وهو التهجير، فبقاؤهم في أرضهم شكل من أشكال المقاومة. طبعا هناك من بين فلسطينيي ال48 عملاء، أو من يدعم العدوان على غزة، أو من يرفض حتى إرسال المساعدات وهؤلاء لا يمثلون حقيقة فلسطينيي ال48. وبالفعل فإن الرجوع لما كتبه “إيلان بابيه” وغيره حول المجازر التي ارتكبت يوضح ما جرى في ال48 وأهمية المقاومة بالبقاء، وبالتالي فإن مقارنة فلسطينيي ال48 بالإسرائيليين الذين جاؤوا محتلين، فيها إجحاف كبير بحقهم.
جاد غصن: سأجيب عن كل نقطة على حدة. أولا حين تحدثت عن فلسطينيي ال48 فلم يكن الهدف هو مقارنتهم بالإسرائيليين بل لأقول: هل إن مسألة حمل الجنسية الإسرائيلية هي العامل المحدد الذي يحسم النقاش؟ أم الفعل السياسي؟ مثلا يمكن أن نضع لبنانيا بناء على عمالته في السجن. حتى فلسطينيي ال48، كان هناك فترة من الفترات التي كان النظام العربي يرتاب منهم، بزعم أن بعض هؤلاء في سنة ال48، في الوقت الذي استمر فيه بعض الفلسطينيين بالقتال حتى استشهدوا، اضطر بعضهم لرفع الرايات البيض، وغض الإسرائيلي الطرف عنهم لوجود معارك في أماكن أخرى، واعتبرهم بعض الفلسطينيين وبعض العرب في عداد الخونة. هناك وقائع تاريخية في هذه المسألة، ولكن مع الوقت لأن فلسطينيي ال48 استطاعوا الحفاظ على هويتهم، وظلوا يناهضون “الأسرلة”، بالحفاظ على لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتسميتهم للمناطق بأسمائها الفلسطينية، لم يعودوا يطرحون نفس الإشكالية في العالم العربي. ولنكن أكثر واقعية، ليس لأنهم ناضلوا ذاك النضال، برأيي، بل بسبب انطلاق مسار أوسلو، وإذا كان ياسر عرفات أصبح يجلس مع إسرائيليين صهاينة مثل “شارون”، فلن يجري تخوين من هو في الداخل وضد “شارون”. ولكن لفترة طويلة، والجيد أن هذا ليس في أيامنا، ولعقود كانت النظرة العربية لفلسطينيي الداخل فيها ريبة، حتى لدى بعض الفلسطينيين. هذا نقاش على حدة. أنا لا أقارن فلسطيني الداخل بالإسرائيليين، ولا حتى أقارن من تأسرل منهم بالإسرائيلي، فهؤلاء ضحايا فعل وليسوا أصحاب فعل. ولكن حسم النقاش، وهذا ما اتهمت به ورددت عليه على تويتر: اتهمت أنني مع التطبيع أو أنني أستقبل صهاينة، والنقطة الحاسمة أن ضيفي يحمل الجنسية الإسرائيلية، وبالتالي يصبح “إيلان بابيه” مثل”أفيخاي أدرعي”، فهذا ما أُشكِلُ عليه. لأن هذه الجملة بذاتها: لا تفرقة بين من يواجه الاحتلال والمشروع الصهيوني ويدعم حملات المقاطعة وقام بعمل مرجعي نبني عليه كثيرا من معارفنا التاريخية لما حصل قبل عام 48 وخلاله، وبين من يسوق للقتل في غزة ولبنان؛ فهذه إشكالية أن أعاملهم بالتكافؤ فقط لأنهم يشتركون بحمل الجنسية الإسرائيلية. وبالنسبة لي، فإن عملي الإعلامي، إذا كان للإعلام من معنى، فهو أن يجرب المرء الاستفادة من ظرف مثل الذي نمر فيه. وكثير من اللبنانيين ومنهم من محيطي، أشخاص محددون أعرفهم فردا فردا، لا اهتمام لديهم بفلسطين لا سلبا ولا إيجابا. أتت حرب غزة كي تجعلهم يبحثون في هذا الصراع، في شيء مشابه لانهيار 2019 الذي جعل الناس يهتمون بالاقتصاد؛ فإذا لم أستفد من هذه اللحظات كي أضيء على الإشكالية وأحددها، وأشرح لماذا يجب أن نكون معنيين بها، أفوّت فرصة من الفرص، وإضاعة فرصة تسمح لغيري باستغلالها.
نقطة أخرى سريعة حول موضوع القانون، قانون المقاطعة، فالمادة الأولى تقول: “يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها او لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته. وتعتبر الشركات والمؤسسات الوطنية والأجنبية التي لها مصانع أو فروع تجميع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم طبقا للفقرة السابقة حسبما يقرره مجلس الوزراء بقرار ينشر في الجريدة الرسمية.” إذا أخذنا كل مواد هذا القانون، فهي دون استثناء تتحدث عن تصدير سلع، أو استيراد سلع، أو وجود طرف ثالث في عملية التصدير. يعني يجب أن يكون هناك اتفاق وتعامل تجاري أو أي تعامل آخر أيا تكن طبيعته. إذا كان هناك زعم بأن هذا القانون يلحظ ما قمت به مع “إيلان بابيه”، فأنا مستعد لهذا النقاش، لأنني لست من حسم في هذا الشأن، بل استشرت محاميين قبل هذا، ولديهم آراء سياسية قريبة من آرائي، يعني ليسا مجرد محاميين من التكنوقراط؛ وكلاهما قال إن إثبات النية الجرمية هو ما يحدد أولا إذا كان هناك تعامل أو لا، وأن قانون المقاطعة فيه ضبابية وهو قابل لعدة تفسيرات، وبكثير من المغالاة والتوسع في التفسير يمكن أن يشمل هذا “إيلان بابيه”، ولكن في الغالب، وخصوصا بسبب السياق والظرف الذي أقر فيه هذا القانون، وهو تطبيق لقرار جامعة الدول العربية، وهو نتيجة قرار مقاطعة تجاري وعدم فتح علاقات اقتصادية مع” إسرائيل”. وهذا النقاش متروك للقانونيين، لكنني قبل إجراء المقابلة خضت في هذا الموضوع.
الحملة/ محاور ثانٍ: طبعا أوافقك في الشق القانوني فلا أعتقد أن قانون المقاطعة يلحظ فعلا مثل مقابلتك، مع الإشارة إلى أن الاجتهاد القانوني مطلوب في موضوع متعلق بالصراع مع العدو الإسرائيلي. ونحن كحملة سنقوم بورشة عمل حول قانون المقاطعة مع اختصاصيين. وكي أكمل النقاط، نحن كحملة نؤمن بإمكانية سلام حقيقي، ولكن بتحرير كامل الأرض من الصهاينة. هناك عدة تصورات للسلام، والحل في القضية الفلسطينية، ولكن نحن نراه بتحرير الأرض من الصهاينة من النهر إلى البحر. لا يمكن أن ننادي بدولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، وإذا نادينا بدولة لكل مواطنيها فسنكون كمن يلحظ أن هناك صهيونيا سيئا وإسرائيليا جيدا، أي إسرائيلي مستعمر وإسرائيلي غير مستعمر، لكن هذا الكيان والمشروع الصهيوني قام على الاستعمار. أما كيف صنفوا أنفسهم فيما بعد، فهذا شأن آخر.
جاد غصن: أنا رأيي مختلف. لست مع الترحيل، ولا أفهم أصلا معنى هذا. ربما في البداية كان هذا واضح المعنى، في الأربعينات
والخمسينات والستينات، وكانت الناصرية هي الأكثر تقدما في التعبير في هذا الصراع، وكان الكلام أن السلام يقتضي أن يعود كل
إسرائيلي من حيث أتى، وهم كانوا الجيل الأول من المستعمرين، والمجلس الذي أعلن قيام الكيان الإسرائيلي لم يكن فيه سوى مستعمرين لم يولدوا في فلسطين.
الحملة/ محاور ثانٍ: فلتنظر مثلا في الإحصاءات بعد السابع من أكتوبر، الغالبية الساحقة من الإسرائيليين لا ترى إلا بالأبيض
والأسود، يريدون القضاء على حماس مهما كان الثمن، ويريدون الإبادة.
الحملة/ محاور أول: نحن كأعضاء الحملة لم نناقش بالتفصيل تصورنا للحل النهائي للقضية الفلسطينية، وقد يكون لنا آراء مختلفة،
لكن ما يجمعنا هو إيماننا بضرورة تحرير كامل التراب الفلسطيني. هو نقاش مفيد طبعا وخصوصا في التأسيس لمشروع في صلب
السياسة، ولا مانع من أن نخوض في هذا النقاش كحملة، ولكنه ليس بهذا الإلحاح الآن، وقد نعتبره الآن نوعا من الترف الفكري.
جاد غصن: برأيي أن أهمية حملة المقاطعة هي بفتح هذا النوع من النقاشات التي يتخيل اللبنانيون أن إجاباتها محسومة.
الحملة/ محاور ثانٍ: نقطة أخرى هي تعقيب حول كلامك عن الاستعمار واستخدام مَثَل التحرش للكلام عن مستويات مختلفة؛ أرى أن الاستعمار قضية أكبر بكثير. وفيما يخص 8 آذار و14 آذار أخالفك في هذا، فهما أصلا طرفان ليسا مع مقاومة التطبيع، وليس
لديهما ثقافة مقاومة التطبيع، وهما يسجلان مواقف سياسية. مثلا في ملف العملاء هناك خروقات كثيرة. يجب أن نبني ثقافة مقاومة التطبيع، وكلاهما ليس لديه هذه الثقافة. نحن كحملة وكجزء من حركات المقاطعة، وأشخاص مثلك يا جاد، نريد أن نعمم ثقافة مقاومة التطبيع.
الحملة/ محاور أول: لكن هناك أشخاص من 8 و14 آذار مع مقاومة التطبيع، وهذا ما نعول عليه.
جاد غصن: للتوضيح، فالتشبيهات التي أقوم بها لا تقصد المطابقة، بل القياس في جزئية معينة. مثلا Me too كحراك من جهة
والقانون من جهة أخرى. حركة Me too حين تفضح متحرشا وتعدمه معنويا، لا تطلق حكما قانونيا عليه، بل يكون “إعدامها”
لامتناهيا. هنا الفرق بين القانون، وفرض فكرة ما بالهيمنة. مثلا يقول القانون: في هذا الحالة عقوبتك السجن مدى الحياة، في أخرى عقوبتك خمس سنوات، في التحرش اللفظي مثلا عقوبتك السجن ستة أشهر، إلخ…أما الأحكام غير المسندة إلى قانون، فقد تكون لامتناهية، مثلا فلان المتحرش يمتنع الناس عن التعاطي معه بسبب حملة اجتماعية ضده. وهنا تشبيهي، هنا الفرق بين القانون، والحملة، في الأولى قد يكون للقانون عدة أحكام، أما الحملة المستندة إلى قناعة الناس فمختلفة وحكمها مطلق.
الحملة /محاور ثانٍ: النقطة الأخيرة التي أريد الكلام فيها. هناك دور نشر عربية ترجمت للمؤرخ “إيلان بابيه”، ترجمات غير مباشرة دون التعامل مع دور نشر إسرائيلية، ونستخدم كتبه ونشاهد مقابلاته. قد تعتبر أن معاييرنا غير ملزمة، ولكن استضافة إسرائيلي تستدعي تصنيف الإسرائيليين، كما فعل إدوارد سعيد وصنف بعضهم بالإسرائيليين الشجعان، وفيما بعد تبين له أنه أخطأ، وهذا التصنيف أدى مع الوقت إلى الانفتاح الفلسطيني على ما يسمى اليسار الإسرائيلي، وصولا إلى مدريد وأوسلو، …أرى أنه يجب
أن تعيد النظر في أنك استضفت إسرائيليا، أو في استضافة إسرائيلي لاحقا، بغض النظر عمن هو وماذا يقول. وشكرا لك.
جاد غصن: حتى إدوارد سعيد، فموقفه ليس مع رمي الإسرائيليين في البحر، وهو أكثر من “إيلان بابيه”، كان يعتبر ان هناك تكتلا
للسلام لدى قسم من الإسرائيليين، وكان يقابل إسرائيليين ويناظرهم؛ طبعا هو كان ضد أوسلو. لست أقارن ما فعلته بما أنجزه إدوارد سعيد، ولكن مقابلة”إيلان بابيه” مختلفة جدا. إدوارد سعيد كان يجاهر بمقابلة إسرائيليين ولم يكن الأمر يطرح إشكالية لديه. الحملة/ محاور أول: للفلسطينيين وضع خاص، وخصوصا في الداخل، فهم مجبرون على التعامل مع إسرائيليين في مجالات
مختلفة.  باستثناء “بخور شالوم شيطريت ” الذي ولد في طبريا في فلسطين إدوارد سعيد فلسطيني، ولكنه لم يكن يعيش في الداخل، بل في الولايات المتحدة الأمريكية. إدوارد سعيد كان في مرحلة طويلة من نشاطه غير مؤيد للمقاومة المسلحة. لكن لننتبه إلى أنه كان في مرحلة سابقة لنضج فكرة مقاطعة الكيان الإسرائيلي. كان يجتهد حسب ظرفه وقناعاته. كان مع حل الدولتين، ثم في المرحلة الأخيرة صار يرفضه.
جاد غصن: بالكلام عن حملات المقاطعة، فهي كثيرا ما تستقبل “إيلان بابيه” وأمثاله. بل إن”إيلان بابيه” منخرط في حركات
المقاطعة.
الحملة/ محاور أول: صحيح، كان من أوائل من دعوا للمقاطعة الأكاديمية للكيان الإسرائيلي قبل كثير من حركات المقاطعة، وهو
قرر مغادرة الكيان بسبب المضايقات التي تعرض لها جراء هذا الموقف.
جاد غصن: هذا لافت، فإن “إيلان بابيه” حين يدعو للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، فهو لا يعتبر نفسه إسرائيليا بهذه المعنى، وإلا كان يدعونا لمقاطعته. هو يعتبر نفسه جزءا من الناس التي تدعو لمقاطعة الصهاينة.
الحملة/ محاور أول: أعتقد أن “إيلان بابيه”يعتبر نفسه مواطنا في الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة بعد تفكيك الصهيونية. هو لا يعتبر نفسه إسرائيليا بالمعنى الذي يتبادر للذهن.
جاد غصن: ليست المسألة فقط مسألة سياسية، بل هي أخلاقية أيضا. لا أفهم كيف يمكن أن يكون حلا واقعيا أن يعود ملايين
الأشخاص إلى البلاد التي جاء منها أجدادهم، هل ستقبل هذه البلاد بهم؟ خصوصا أن بعض هذه البلدان كانت أصلا تسعى للتخلص منهم. طبعا هناك إسرائيليون مزدوجو الجنسية، كما هناك لبنانيون مزدوجو الجنسية، وهؤلاء يغادرون حسب الظرف إذا اندلعت حرب مثلا. أما أخلاقيا، فلن نفعل بالإسرائيليين مثلما فعلوه بنا. وإلا فإن الضحية تعود لتتماهى مع الجلاد؛ تماما كما فعلت الصهيونية التي استغلت المجازر التي ارتكبت بحق اليهود، لتعود لارتكاب المجازر. ممنوع أن تكون الدولة يهودية، وممنوع أن تبقى العقيدة الصهيونية العنصرية، ولكن لن نقتل الملايين، بل ستكون دولة ديمقراطية للجميع دون تمييز.
هذا كلام لا يزال نظريا في الواقع الراهن، فكثير من الفلسطينيين لن يتقبلوا أن يعيشوا مع الذين يضطهدونهم، وواضح جدا أن غالبية الإسرائيليين ليست مثل “إيلان بابيه”ولا تتقبل العيش مع الفلسطينيين.
الحملة/ محاور أول: ليت المسألة بأيدينا، وموازين القوى، وأن مشكلتنا الوحيدة هي هل نرحّل الإسرائيليين من غير السكان الأصليين أم نبقيهم.
جاد غصن: على الصعيد النظري، ليت هناك حركة فلسطينية أو قوة فلسطينية في السياسة لديها مشروع سياسي وأداتها الفعلية المقاومة. هناك كثير ممن هم ضد “إسرائيل” ولكن كونهم كذلك لا يحسم النقاش معهم في أكثر من نقطة. هذا نقاش مؤجل، ولكنه ليس أولوية اليوم، وهو نقاش مهم.
الحملة /محاور ثانٍ: أدعوك إلى متابعة د. جوزيف مسعد، وهو لا يقل أهمية عن “إيلان بابيه”، وهو مؤرخ كبير ولديه مؤلفات
يكشف فيها عن تاريخ الصهيونية وبداياتها كصهيونية مسيحية، ونحن أجرينا ندوة معه حول العداء الأيديولوجي للصهيونية.
تحفظُّنا على “إيلان بابيه” هو بسبب استمرار حمله الجنسية الإسرائيلية، وما يطرحه هذا من إمكانية تمييع مقاطعة “إسرائيل” وكل الإشكاليات التي تحدثنا عنها من فتح باب مقابلة إسرائيليين وسواها.
الحملة/ محاور أول: سؤالي الأخير ينطلق من كون إيلان بابيه يدعو للمقاطعة الأكاديمية، لجدوى الضغط على “إسرائيل” من هذا
الباب. لكنه يعلم أن هناك طلابا عربا، وأساتذة عربا، وإسرائيليين غير صهاينة ربما لديهم موقف مثل موقفه لكنهم لم يستطيعوا بعد مغادرة الكيان الإسرائيلي، وهؤلاء تشملهم المقاطعة الأكاديمية بما يمكن أن يعتبره البعض “ظلما” لهم بشكل من الأشكال، ولو عن غير قصد.
جاد غصن: هو لا يقاطع هؤلاء الأفراد.
الحملة/ محاور أول: هو لا يقاطع هؤلاء الأفراد كأفراد، لكنه يقاطع الجامعة التي يعملون فيها، ومشاريعها البحثية المشتركة،
ويرفض تمويل هذه المشاريع ضمن اتفاقيات تعاون، …
جاد غصن: مثلا كان “إيلان بابيه” يتعاون أكاديميا مع أستاذة فلسطينية من ال48 في جامعة القدس، د. نادرة شلهوب كيفوركيان،
واستضافها في ندوات. وقد شنت عليها حملة لطردها من جامعتها بسبب مواقفها بعد السابع من أكتوبر لأنها ضد الحرب. 22

21 https://al-adab.com/article/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-
%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D8%AF%D9%88-
%D8%A5%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%9F
22 https://al-akhbar.com/Albilad/381294

 

هدف المقاطعة توصيل رسالة حول أسباب المقاطعة، لا تغليب الشكل على المضمون.
الحملة/ محاور أول: فلنأخذ مثلا الجامعة التي يعمل فيها”بابيه” في بريطانيا 23 ، أليس من الطبيعي أن يقف ضد مشروع تعاون بين جامعته وأية جامعة إسرائيلية؟ وإلا ما معنى المقاطعة الأكاديمية إذا لم تشمل مقاطعة مشاريع بحثية مشتركة، كوسيلة للضغط؟
جاد غصن: صحيح، التطبيع مع جامعة أمر آخر.
الحملة/ محاور أول: بما أن الأستاذ الباحث يتلقى جزءا كبيرا من تمويل أبحاثه عبر مشاريع مثل هذه، فنحن بالدعوة للمقاطعة
الأكاديمية نقفل في وجهه بابا من أبواب التمويل، فهو على الصعيد الفردي سيلحقه نوع من “الغبن”كما قد يعتبر البعض.
جاد غصن: لكن الأفراد المعروفين بكونهم غير صهاينة، يجب ألا تشملهم المقاطعة.
الحملة/ محاور أول: لكن العمل البحثي ليس عملا فرديا، حكما هناك انتساب وظيفي للجامعة، ومقاطعة الجامعة تعني بطريقة ما
مقاطعة هذا الفرد.
جاد غصن: ليس المطلوب البحث عن هؤلاء الأشخاص بهدف عدم التعامل معهم، ولكن إذا اشتهر شخص منهم بمواقف جيدة، فلا
يجوز تغليب المقاطعة عليهم، بسبب الشكليات واعتبار أن ما يسري على الجامعة يسري عليهم. ولا أعتقد أن التعامل الأكاديمي مع هؤلاء الأفراد يطرح إشكالية ل”إيلان بابيه”، كونه أصلا في بلد لا يمنع التعامل معهم.
الحملة/ محاور أول: فلأسلم جدلا بما تقوله، كسبا للوقت، ولأن بيت القصيد ليس هنا.
إيلان بابيه مع المقاطعة الأكاديمية، وهناك آلاف من الأكاديميين غيره، منهم مثلا عالم الفيزياء الفلكية الشهير ستيفن هاوكينغ الذيرحل قبل عدة سنوات، وكان وافق على إجراء محاضرة في الكيان الإسرائيلي ثم ألغاها تأييدا لحركة المقاطعة. 24 وفي النهاية لا بدمن أن المقاطعة الأكاديمية تصيب بشيء من “الغبن”بعض الأشخاص. فإذا كان إيلان بابيه يعرف نادرة شلهوب كيفوركيان، فأستاذ في سنغافورة مثلا، يمارس المقاطعة الأكاديمية، لن يدرس ملف كل أستاذ على حدة في كل الجامعات الإسرائيلية. ورغم هذا الغبن الفردي، فالسؤال الأهم: هل أتخلى عن المقاطعة الأكاديمية التي تهدف للضغط على الكيان، بل وعزله حسبما نرى، كي نتجنب هذا الغبن لبعض الأفراد؟
جاد غصن: لست ضد المقاطعة الأكاديمية طبعا. فلنأخذ مثلا عن المؤرخ الإسرائيلي من أصل عراقي “آفي شلايم”، هو لا يعرف عن نفسه بأنه إسرائيلي، ويقول إنه يهودي عربي ويتحدث عن العراق وجذوره. هذا الشخص إذا وصل إلى مطار بيروت، فسوف
يرفضون دخوله ولن يمنحوه ختم الدخول. ولكن إذا لم يكن عملي ختم جواز السفر، وكنت أعرف أطروحات “آفي شلايم”، فلماذا
أجبر نفسي على التصرف بعقلية حامل الختم؟ مثلا قبل المقابلة مع “بابيه” لم يكن عندي شك في أنها ستتسبب بجدل، لكنني سألت نفسي عن انطباع كل من يشاهد المقابلة – والجدل سيزيد مشاهداتها- هل سيكون الانطباع: صرنا نستطيع استقبال إسرائيليين، أم سيتبين لهم فظاعة ما ارتكبه الإسرائيليون؟
الحملة/ محاور أول: بالتأكيد كل ذي عقل سليم سيتبين له فظاعة ما ارتكبوه، ولكن كل ذي عقل خبيث، سيقول: من باب المعاملة بالمثل سأستضيف فلان، ولستم أنتم من يقرر إذا ما كان ضيفي الإسرائيلي يجوز أن أستضيفه أولا، طالما أن استضافة إسرائيلي واردة.
جاد غصن: عظيم، فليفتح هذا النقاش. هو بالتأكيد سيبحث عن تبرير لاستضافته، وهنا أتمنى نقاش هؤلاء.
الحملة/ محاور أول: أي نقاش؟ ليس هناك ميزان قوى متعادل، أصلا لن يصل الرأي المعارض، ولو استضافك أحد هؤلاء
الإعلاميين فلن يفسح المجال للنقاش الحقيقي. وهل تستطيع أن تمنع التمويل الإعلامي المغرض من فرض الواقع الذي يريده؟ مثلا أن تصير استضافة”أفيخاي أدرعي”عادية؟
جاد غصن: وهل هناك ميزان قوى أصلا؟ أي قبل مقابلتي؟
الحملة/ محاور أول: ليس هناك ميزان قوى، ولهذا السبب بالذات، نتمسك بالمعيار الذي يرفض استضافة أي إسرائيلي، كي لا يبنى على سابقة استضافة إسرائيلي غير صهيوني، أية استضافات أخرى.
جاد غصن: لكن هذا المعيار سوف يعطي الحجة لآخرين كي تقول عن المعيار: لا يعقل. أي تبني على ضعف الحجة في رفض
استضافة “إيلان بابيه”، كي تتوسع بالاعتراض على أصل المعيار. هناك مثلا من دافع عن استضافة”إيلان بابيه”، من معادي
الصهيونية طبعا، بالقول: إذا كانت حملة المقاطعة تريد أن تمنع استضافة شخص مثله مناصر لقضيتي، ويكتسب أهمية أكثر في
جامعة إكستر
https://arabislamicstudies.exeter.ac.uk/staff/pappe/
24 https://www.theguardian.com/science/political-science/2013/may/13/stephen-hawking-boycott-israel-
science

الغرب كونه يهوديا إسرائيليا، فرفض استضافته سيؤكد للغربيين أن تهمتهم الجاهزة”معاداة السامية”لها أرضية قوية، وسيقولون: أنتم ترفضون حتى اليهودي المعادي لإسرائيل. 25 وبالمناسبة يقول “إيلان بابيه” أن هناك مؤرخين عربا عملوا في نفس ميدان عمله لكن طروحاتهم لم تلق الاهتمام عينه بينما اهتم الغرب بطروحاته لأنه مؤرخ إسرائيلي يهودي أبيض. ولهذا، فإن هذا المعيار يمكن أن يستخدم ضدكم أيضا، بل يمكن أن ينفر البعض من حملتكم لهذا السبب. وبالتأكيد، فإن تأثير “إيلان بابيه” أهم من تأثير أشخاص آخرين، لبنانيين مثلا، حتى لو كانوا ضد التطبيع ومع المقاطعة، فإنهم يفيدون في معارك معينة، بينما يفيدني “إيلان بابيه” أكثر بكثير حين أتوجه خارج لبنان والعالم العربي.
الحملة/ محاور أول: أعتقد أن أي شخص ضد التطبيع ومع فكرة المقاطعة، إذا شرحنا له هذه الإشكالية سيتفهمها ولن ينفر منا، دون أن يكون بالضرورة متفقا معنا حول هذا المعيار. وخصوصا إذا ضربنا أمثلة في ميادين أخرى غير الميادين الفكرية البحتة، مثل
الفن، والسينما، و سواها.
مثلا ما الإشكال في أن يأتي فنان إسرائيلي إلى لبنان، يقدم فنا جميلا؟
جاد غصن: هذه الإشكاليات التي تطرحها سابقة لاستضافتي”إيلان بابيه”، ويمكن بسهولة معرفة إذا ما كانت هذه الاستضافة أسست لاستضافات أخرى. مثلا في استضافة”أفيخاي أدرعي”على الجزيرة، كان الإعلاميون من اللبنانيين العاملين في الجزيرة يُحيَّدون عن استضافته لاعتبارات قانونية خاصة ودقيقة. أما اليوم، ألم يكن بإمكان قناة الحرة أن تطلب من شخص آخر غير ليال الاختيار استضافة”أفيخاي أدرعي”؟
الحملة/ محاور أول: بالتأكيد، ولكن على الأقل جرى التحقيق معها، يعني أن أي إعلامي لبناني يحسب لهذا حسابا.
جاد غصن: ولكن التحقيق مع ليال الاختيار تأكيد على نقيضه، بما معناه أنه جرى التحقيق معها وتركها بما يوحي بأنها لم تخطئ.
الحملة/ محاور أول: لم يقفل ملفها قضائيا بعد. لا أتوقع عقوبة كبيرة، ولكن لم تنته القضية.
جاد غصن: بلى انتهت.
الحملة/ محاور أول: ربمان هذا بحاجة للتدقيق.
لكن بما يخص نقطة نقاشنا، إن شرح الإشكالية لأي شخص مؤيد للمقاطعة، يجعله بالحد الأدنى متفهما، بل يجعله شريكا في حل المعضلة: لا تريد أن تفتح بابا التطبيع لأنك لن تستطيع بمجرد النقاش أن تحمي بلدك من هذا بسبب اختلال موازين القوى. هل تعرف مثلا ما هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تنشر لنا كل بياناتنا؟ جريدة الأخبار. وبالمناسبة أعدت جريدة الأخبار سنة 2018 ملفا عن إيلان بابيه، وأجرى أحد صحافييها، سعيد محمد، وأظنه اسما مستعارا وهو غير لبناني، مقابلة مع “إيلان بابيه”. طبعا هي ذات الإشكالية التي طرحتها مقابلتك، حتى لو كان من أجرى المقابلة شخص غير لبناني، فهي مقابلة حصرية للأخبار. ولست متأكدا من أن اختيار صحافي غير لبناني كان عن عمد.
جاد غصن: تخيل مثلا لو أن الجديد أجرى مقابلة مع”بنيامين نتانياهو”، ولكن عبر شخص أوروبي. بالمعيار القانوني لا فرق إذا
أجرى المقابلة لبناني أو غير لبناني.
الحملة/ محاور أول: صحيح، بالدرجة هي أخف، ولكن ذات النوع.
جاد غصن: برأيي، وليس من شأني أن أحسم في موضوع قانوني، ولكن جلست مع قانونيين، وواضح في القانون اللبناني أن تجريم التعامل مع العدو في قانون العقوبات يتطلب إثبات النية الجرمية. والحكومة اللبنانية تحدد العدو. وللقضاء أن يبت في هذا الشأن. وهناك فرق بين “أدرعي” و”بابيه”، ولدي إشكال ألا يكون هناك فرق.
الحملة/ محاور أول: ما رأيك مثلا بقضية زياد دويري؟ أقام في الكيان حوالي 11 شهرا لتصوير فيلمه The Attack الذي عرض
عام 2012، وذلك بمشاركة إسرائيليين ضمن فريق عمله 26 . والبعض يرى أن الفيلم يقدم صورة غير اختزالية أو “جيدة” لواقع
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
جاد غصن: لا أعرف محتوى الفيلم.
الحملة/ محاور أول: قصة الفيلم مقتبسة عن رواية بنفس العنوان للكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي يكتب باسم مستعار:
“ياسمينة خضرا”صدرت عام 2005، وترجمت للعربية. شخصيا أرى أن في الرواية فكرة أساسية خبيثة، وقد قرأتها قبل سنوات هذه الحجة في حال استعملها أحدهم ضد حملتنا، فهي متهافتة لأننا مثلا لا نمانع في استضافة أي يهودي غير إسرائيلي حتى لو كان أقل تقدمية من إيلان بابيه. تحفظنا على أنه إسرائيلي، لا أنه يهودي، فتهمة معاداة السامية باطلة، وتهمة معاداة إسرائيل ليست تهمة، بل هي في صلب عملنا. وحتى رفضنا لاستضافة إيلان بابيه هو من باب الحرص على عدم تمييع المقاطعة، ولكن لا نتحفظ على فكره وكتبه بل نشجع على الاستفادة منها.
26 https://www.imdb.com/title/tt0787442/

من الفيلم. ولكن قد يقول البعض: ما المشكلة؟ لم يتعامل زياد الدويري أمنيّا مع العدو ولا نية جرمية لديه، وفي مسألة زيارة أراضي العدو استخدم جواز سفره الفرنسي كونه مزدوج الجنسية.
جاد غصن: هناك إشكالية في القانون ويجب توضيحها. مثلا في زيارة البطريرك الماروني إذا كانت الحجة دينية، فقد كان معه
شخص لا صفة دينية له.
الحملة/ محاور أول: الحجة كانت أنه حصل على استثناء من الحكومة اللبنانية حسب القانون، ولكن لم يعلن عن هذا حينئذ.
جاد غصن: هنا المشكلة، يعني لو حصلت على استثناء من رئيس الحكومة لمقابلة “أفيخاي أدرعي”، كان بإمكاني إجراء المقابلة؟ المفروض أن القانون فوق الجميع، وليس لرئيس الحكومة أن يمنح استثناءات.
الحملة/ محاور أول: لو سلمنا بصواب منح الاستثناءات، وجب أن يكون هناك جهاز رسمي مستقل يمنحها، لا أن تكون خاضعة
لاعتبارات سياسية ضيقة.
جاد غصن: صحيح، فرئيس الحكومة ليس سلطانا، يجب أن يخضع الجميع لنفس القانون.
بكل حال، أنا معك في الإشكاليات التي طرحتها، ولكن أنا أرى وضع الحد الذي تحدثنا عنه عند النية الجرمية، وأستفيد من النقاش
لأطرح الأسئلة، غير مسألة الجنسية، لماذا العداء للكيان الإسرائيلي  ؟
الحملة/ محاور أول: هذا ما نفعله في نقاشنا اليوم، وفي كل ندواتنا ومقابلاتنا.
ولكن، لو لم يكن هناك في لبنان من يعمل في مشروع تطبيعي، أو من لا يرى أي موجب للعداء مع الكيان الإسرائيلي، لكان النقاش كافيا بحد ذاته لإيصال الأفكار والمعلومات التي تجيب عن سؤال: لماذا العداء للكيان الإسرائيلي؟ وفي مثل حالة زياد دويري، لو لم يتم التحقيق معه، ولو لم تصدر الحملة بيانا تدين فيه تطبيعه، لربما مرت فعلته دون أن يسمع بها أحد، ودون أن تثير ما أثارته من جدل. ولكانت الأمور استمرت في التفلّت من كل رقابة قانونية وشعبية.
جاد غصن: رأيي أن دور الحملة الأهم هو فتح النقاش في هذه المواضيع. وأن الفلتان حاصل. مثلا حين كنت أعمل منذ سنوات في الجديد، بلغني خبر من مصدرين مختلفين أن عددا من اللبنانيين يدخل الكيان الإسرائيلي بطريقة ملتوية عبر إذن من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، فيذهبون إلى الأردن ويكملون إلى الكيان. كنت أفكر جديا في اختبار هذا، وأخذ إذن من الاتحاد الآسيوي عبر شبكة معارف، وطبعا ما كنت لأدخل الكيان، ولكن كنت لأصور وأوثق ما يحصل. لكن نصيحة تلفزيون الجديد كانت بالامتناع عن هذا،
فقد أقع في قبضة السلطات الأردنية.
الحملة/ محاور أول: سؤال أخير وسريع.
هل أنت في برنامجك الجديد هامش جاد، تبيع حلقات للتلفزيون العربي؟
جاد غصن: بدأت بالعمل معهم على تطوير أفكار أستطيع تحقيقها. هناك ثلاثة مشاريع: الرأس والمال، هامش جاد، وبرنامج ثالث
سيبدأ. هذا جزء من عملي الوظيفي.
الحملة/ محاور أول: هل يسمح التلفزيون العربي بمقابلة”أفيخاي أدرعي” وسواه؟
جاد غصن: ممنوع استضافة “أفيخاي أدرعي” أو إسرائيليين، بقرار من إدارة التلفزيون. أما “إيلان بابيه” فلم يعتبروه إسرائيليا بهذا
المعنى.
الحملة/ محاور أول: في النهاية، نشكرك على وقتك وسعة صدرك.
جاد غصن: شكرا لكم، وعسى أن يكون لقاء آخر وجها لوجه.
الحملة/ محاور أول: نجدد الشكر لك، مع خالص التحية.

27 تعمل حملة المقاطعة منذ أشهر مع حزب لبناني من خارج أحزاب السلطة على تشكيل جبهة أوسع لفتح هذا النقاش
وخصوصا لدى الفئات التي لا تعبر عن عداء للكيان الإسرائيلي.

آخر الأخبار