منذُ الإرهاصاتِ الأولى لإنشاءِ وطنٍ قوميٍّ لليهودِ في فلسطين، قبلَ إعلانِ الحركةِ الصهيونيّة عام 1897، كانَ الهدف الرّئيس للقوى الأوروبيّة العظمى أن تزرعَ في بلادِ المشرقِ العربيّ، التّابعة في حينه للسّلطنة العثمانيّة، كيانًا وظيفيًّا يؤمِّن مصالحها الاستعماريّة، ويجد حلاًّ للمسألة اليهوديّة في أوروبا. ولم يكن وعدُ بلفور، ثمّ قرارُ التّقسيم المشؤوم سوى ترجمة لهذه الفكرة الخبيثة التي تجسدت بإنشاء الكيان الصهيونيّ.
واليوم حين نسألُ: لماذا فلسطينُ هي البوصلةُ وقضيّتنا المركزيَة؟ فمن البديهيّ أن نستذكر الحقيقةَ التي ذكرنا، في أنّ إنشاء وطنٍ لليهود في فلسطين لم يكن يستهدفُ فلسطينَ وحدَها، بل كان الكيانُ الصهيوني في أصله وما زال كيانًا وظيفيًّا وحاجزًا، بل قاعدةً متقدّمةً لقوى الاستعمار والاستكبار في جسد الأمّة العربيّة. ولعلّ “نا” المتكلمين في كلمة (قضيّتنا) التي في السّؤال، توحي بمركزيّة القضيّة الفلسطينيّة لجماعة ما، لا يمكن إلاّ أن تكون هي عينها الجماهير المقهورة، المسروقة أحلامها، والتي عانت ما عانت من ويلات الاستعمار، وأدواته في كل دولة من الدّول التي قام الكيان الإسرائيليّ ليمنع نهضتَها وقيامتها، وبخاصّة في دولنا العربيّة. بل وأضيف قائلاً إنّ الغطرسة الصّهونيّة ومن ورائِها مصالحُ داعميها ونفاقُ السّاكتين عن فظائعها، هي عقبةٌ كأداء في طريق تحرّر الشّعوب المظلومة في كلّ أنحاء العالم.
ولئن كانت كلّ قضايا الشّعوب المظلومة قضايًا محقّة، تستوجبُ الالتفات إليها، والتّضامن معها، بل والنِّضال لأجلها، فإن خصوصيّة القضيّة الفلسطينيّة تتمثّل في كونها المثالَ الوحيدَ في التّاريخ الحديث، على طرد شعبٍ من أرضٍ عاشَ فيها آلاف السّنين، وفتحِ بابِ الاستيطانِ فيها لمن جاؤوا غرباء من جهاتِ الأرض الأربعِ، بذريعة وعد دينيّ مزعوم، لا يجبُ أن يأخذَه أحد على محمل الجِد حتى من المؤمنين بهذا الدّين. خصوصيّة القضيّة الفلسطينيّة تتمثّل أيضا في استمرار نضال شعبها الحي، بعد أكثرَ من سبعين عاما على إنشاء الكيان الإسرائيليّ، وفي أنّ حلمَ التحريرِ لا يزال يقضّ مضاجعَ الصّهاينة، ومفاتيحَ العودة لا تزال معلقة في صدور أصحاب الحق والأرض.
وبناءً على ما تقدّم، لكلّ هذا وأكثر، فلسطينُ امتحانٌ يوميّ لضمير العالم، ومقياسٌ دقيقٌ للنّفاق، ومحكٌّ لإنسانيّتنا جميعا. في انتصارنا على الصهيونيّة انتصارٌ للحقّ، وردٌّ لكيدِ الظّالمين إلى نحورهم. وقضية فلسطين هي من القضايا النّادرة التي ما إن يُـلِـمّ المرء بسيرورتها دون تزوير وتدليس، حتى يتضامنَ معها، مع البرتقال والزَّعتر والزيتون، مع شعبِها، ولهجتِها، وحروف اسمها، وألوان علمها. فكم من فدائيٍّ جاءَ من الدّول العربية والإسلاميّة، ومن أوروبّا، ومن أفريقيا، وأمريكا اللاتينيّة، وحتى من اليابان، نصرةً للحقِّ الفلسطينيِّ الناصع. هي معادلةٌ بسيطةٌ وذهبيَّةٌ: ثمة نقيضان: فلسطينُ وحلم الشعوبِ المقهورة، والصهيونيّة وأطماعُ المستعمرين، فلا بد من أن نكون جميعًا منحازين، إمّا للحقّ والإنسان، وإما للظّلم والعدوان.
د. رامي سلامي – حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان